خالد بركات*
* ناشط في حملة التضامن مع أحمد سعدات – امريكا الشمالية.
يثير الكاتب الفلسطيني والزميل الصحفي عطا مناع في مقالته المنشورة يوم 10 / اكتوبر على موقع اجراس العودة ، بعنوان " هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات " ؟ يثير اسئلة مهمة ومشروعة تولد من عنوان مقالته الرئيسي والذي جاء بدوره على شكل سؤال جارح.
ولا نختلف مع توصيف الزميل مناع لحالة التراجع العامة التي تبدو واضحة في المشهد الوطني الفلسطيني عموما والتي تمس اولا الحركة الاسيرة وقيادتها ، كما نؤكد على جوهر مقالته حول الاستهداف المستمر والمبيت للقائد احمد سعدات من قبل اجهزة الاحتلال الامنيه، قبل وبعد انتخابه لموقع الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقبل وبعد تنفيذ الجبهة حكم الشعب في الوزير العنصري رحبعام زئيفي وتقديم نموذج صارخ عن " ثقافة الراس بالراس" والتي ذكرها الزميل العزيز مناع. وهو محق.
حتى لا تكون " حملة للوداع " او اللطم !
حملة التضامن مع الامين العام يجب ان تكون حملة وطنيه من اجل الحركة الوطنيه الاسيرة وان كان رمزها هو القائد احمد سعدات . هذا يعني عملية لاستنهاض الحركة الجماهيرية والتي يمكنها وحدها نفض الغبار العالق على واقع الحركة الوطنيه الفلسطينية وحالة الرخاوة التي تعيشها. ويجب ان لا تظل عوائل الاسرى وحدها في هذه الطاحونة، ويلقى على كاهلها مهمة " تنظيم حملة " من اجل الاسرى.
ان التضامن مع الرفيق احمد سعدات ، هو بالضرورة ، موقفاً ضد سياسة التنسيق الامني مع العدو الصهيوني، اذ لا يمكن الفصل بينهما لاسباب معروفة للجميع. وهي حملة تدعو لعلاقات وطنيه نظيفة ، تقوم على الثقة والاحترام ، لا على الطعن في الظهر وثقافة كلب الحراسة. وهي حملة من اجل الاسرى المرضى واسرى العزل، وهي مدخلا طبيعيا لاستعادة مكانة الحركة الوطنيه الاسيرة وموقعها الطبيعي في ضمير شعبنا ( ليس في الوطن وحسب بل وفي الشتات ايضا ) وعليه ، يجب ان تكون حملة يومية واولوية ضاغطة على برنامج القوى الوطنيه داخل وخارج فلسطين المحتلة، خاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
تذكير لا تبرير
لا يوجد مبرر او عذر يمكن قبوله في عدم وجود حملة شعبية منظمة من اجل سعدات والاسرى على مستوى الوطن العربي والعالم ، يكون عنوانها الرئيسي : تحرير الاسرى الفلسطينيين والعرب من سجون العدو دون قيد او شرط. والعمل على منع السلطة الفلسطينية من ابتزاز الحركة الوطنيه الاسيرة على طاولة المفاوضات كما فعلت في العام 1994 ، ولكن هناك جهات بعينها تتحمل المسؤولية الاساسية عن هذا الواقع المتردي :
أولا: السلطة الفلسطينية التي قامت باختطافه واعتقاله ثم تسليمه للعدو.
حتى الان لم تجر محاسبة السلطة الفلسطينية ولا محاسبة من تورط في هذه الجريمة البشعة، خاصة المدعو توفيق الطيراوي وبعض رموز المخابرات الفلسطينية في الضفة ، التي تواطئت مع الاحتلال ودوائره الامنيه او" رضخت " للشروط وللاوامر الصهيونية. المطالبة بمحاسبة هؤلاء هو جزء من الحملة . اذ بدل ان تقوم سلطة اوسلو بالتكفير عن جريمتها وتدارك الامر من خلال دعم حملة وطنيه شاملة من اجل سعدات ورفاقه ( حتى لو تمثيل وكذب ، اليسوا فطاحل في الدجل؟ ) بدل ذلك ، امعنت سلطة العهر الشامل في منطقها المهزوم والقول للشعب الفلسطيني " نحن وفرنا الحماية لاحمد سعدات ورفاقه، ولولانا لكانوا الان في خبر كان " !
هكذا تريدنا السلطة الفلسطينية ان نقول لها شكراً جزيلا ، ان نقدم للطيراوي اسمى ايات الامتنان والشكر والعرفان؟
ثانيا: حالة الهلع التي خلقتها امريكا والغرب بعد احداث 11 ايلول/سيبتمبر ، والتي ترافقت وتلازمت زمنيا مع قضية سعدات واختطاف ابطال عملية 17 اكتوبر وتداعياتها. هذا الفضاء من الارهاب الامريكي الصهيوني لم يؤثر فقط على الفلسطينيين وحدهم ، بل طال حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني. خذ مثلا ادراج الجبهة الشعبية على ما يسمى قوائم الارهاب ، هذا الامر وحده جعل الناس تخلط الحابل بالنابل ، برغم عدم وجود قوانين تجرم من يتضامن مع انسان واسير يقبع في زنازين العزل وفي شروط تنافي ابسط الحقوق الانسانية ، الا ان هذا ( الاسير ) هو الامين العام للجبهة الشعبية المدرجة على تلك القوائم.
ثالثا: غياب الدور الفاعل لما يسمى مؤسسات حقوق الانسان، وعلى راسها مؤسسة الضمير لرعاية شؤون الاسرى داخل الوطن. فهذه المؤسسات ، نصفها فصائلي الطابع وبعضها " مملوك" لمؤسسة اوروبية، وتعتمد على الاجانب في تمويلها ، وبات بعض هؤلاء يرى في تبني حملة التضامن مع الرفيق سعدات ( بعبعا ) قد يهدد منحة مالية ، في قيمتها الحقيقة ، لا تسوى كرامة الحذاء الذي يلبسه لاجئ في مخيم الدهيشة.
صارت بعض هذه المؤسسات تختار اللغة المقبولة للغرب وهي تخاطب العالم عن قضية الاسرى، وهناك من ذهب الى ابعد من ذلك وهزم نفسه استباقيا. هذا الانفصال عن معنى ومبنى حركة التحرر ومفاهيم ومبادئ مشروع التحرير والالتزام الوطني، وهذا الانسلاخ المحسوب عن جسم الشارع ، والتعامل مع الحركة الاسيرة وكانها عبئ عليهم ، بينما العكس هو الصحيح، كل ذلك ساهم في هذا الخراب الذي تناوله الرفيق مناع في مقالته الجريئة.
رابعا: طريقة وهندسة احتجازه في سجن اريحا على يد الطاقم الامني الامريكي والبريطاني ، ساهم ذلك في تشويش واهتزاز العديد من المواقف والتدابير اللازمة ، عداك عن " الفرملة الذاتية " والتي كانت تحدث احيانا بطلب من الامين العام نفسه ، على قاعدة نكران الذات، و" الوضع المريح " قياسا بتجاربه الاعتقالية السابقة والراهنة ، وهي فترة لم تكن قصيرة بل امتدت لاربعة سنوات.
مع ذلك ، من يتابع حملة التضامن مع الرفيق الامين العام والاسرى يلمس انها في حالة تقدم برغم كل المعيقات وان نشاط الحملة في تزايد داخل الوطن وفي الشتات، وهذا ما يجب الانتباه له وتطويره ودفعه قدما الى الامام. ان غياب الاعلام المؤثر والتقصير الذاتي ونواقص واشكالات العمل وغيرها حالت دون انطلاقة قوية ومثابرة لحملة التضامن مع الامين العام والاسرى.
واخيرا، بقدر ما نحي قلم الزميل العزيز عطا مناع ، فاننا في الوقت ذاته ندعو الى المزيد من العمل ومن تفاؤل الثوريين الجبهاويين. ان العدو الصهيوني يريده في زنزانة معزولة عن الكون والى الابد . لذلك ، نقول: حملة التضامن مع الامين العام تبدأ بزيارة اسير محرر ، وتوزيع بوستر يحمل صورته ، والمشاركة في اعتصام ، وتنظيم مسيرة جماهيرية ، وتنشيط حركة تضامنيه في الخارج ، ولا تنهي بالعمل الشعبي المقاوم ، الى ان يقول سلاح الجبهة الشعبية والمقاومة، او سلاح العدو ، كلمة الفصل.
----------------------------------------------------------------------------------------------------
مقالة الكاتب الصحفي عطا مناع:
هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات؟؟
بقلم-عطا مناع
مع كل الاعتذار للحملة التضامنية مع القائد الفلسطيني الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات وكل محبي هذا القائد الذي خرج علينا في زمن نصب المقصلة للوطنيين الفلسطينيين الذين وقفوا في وجه العاصفة، ومع كل للجهود الجبارة التي عقدت العزم على رفع الصوت في زمن الصمت الفلسطيني الذي يتحمل المسئولية الكاملة لكل ما جرى ويجري لقادة العمل الوطني الفلسطيني وعلى رأسهم احمد سعدات الذي يدفع ثمن ضعفنا وهزيمتنا الداخلية وبدون استثناء سوى الذين لم يتقاعسوا يوماً عن طرح الحقيقة كل الحقيقة في مرحلة غيبت فيها الحقيقة التي يراها الشعب كل الشعب سوى القلة التي ارتهنت لمصالحها.
أنه اللجام الذي يقيدنا ليحولنا إلى مجرد كورس في لعبة صندوق العجب الفلسطيني، لدرجة إننا ارتضينا لأنفسنا أن ننسى البداية والنهاية ونسلم بالأمر الواقع رغم إدراكنا الأكيد أن ما تعرض ويتعرض له احمد سعدات يعكس ملهاة فلسطينية زجت به إلى المجهول دون أن يرف لهم جفن سوى بعض الحركات البهلوانية التي تابعها الشعب الفلسطيني يوم حجزه في مقاطعة رام الله مع رفاقه ، وبعدها نقلة إلى سجن أريحا ضمن صفقة فلسطينية أمريكية إسرائيلية بحراسة أمريكية بريطانية لتكتمل الدائرة بانسحاب الحراس الأمريكيين والبريطانيين وهدم سجن أريحا على رؤوس من فيه لنرى احمد سعدات في قبضة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
يومها تابعنا بعادية اقتراب الجرافة من الجدار الأخير والقائد الأخير، كنا نستمع إلى صوت احمد سعدات الذي جاءنا عبر الفضائيات، كان الرجل صلباً ممسكاً بزمام الأمور، وكنا نحن والفضائيات ننتظر لحظة الخلاص لنسجل بطلا أخر نعزي به ضعفنا وخيانتنا له، لذلك جاءت الأسئلة واضحة محرضة للصامدون خلف الجدار بالمقاومة حتى الموت رغم أنهم لا يملكون سوى عزمهم على الصمود وكتبة سطراً جديداً في التاريخ الفلسطيني وللأجيال القادمة التي ستقرأ يوماً الحكاية التي تقول أن الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقف في وجه العاصفة ولقن العالم ومن ساوموا عليه درساً سيفهمونه ولو بعد حين.
هي مرحلة لا زالت رائحتها تنبعث رغم حالة الهروب من الحتمية التي قادوا الرجل لها، حتمية عرفوها كلهم وظلوا صامتين على المأساة التي عاشها الرجل لتتوج بزجه في العزل الانفرادي وإخضاعه للموت البطيء دون أن يحرك الشعب والقيادة ساكنا سوى بعض الأصوات المكبوتة عن بعض رفاقه الذين أدركوا أكثر من غيرهم اقتراب الخطر من الأمين العام الذي تجاوز أل 500 في زنزانة الموت البطيء مما يدفعنا لدق جدران الخزان والعمل على استمرارية الحملة لتأخذ البعد الجماهيري وفرض أجندتها على القوى الوطنية الفلسطينية والعربية والاستيعاض عن شعار التضامن بشعار الإنقاذ، لان الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يتعرض لخطر التصفية الجسدية وليس للعزل فقط، هذا العزل الذي يشكل مقدمة للتصفية التي نقترب منها كل يوم.
أن اقتصار حملة التضامن مع الأمين العام احمد سعدات على رفاقه أو بعض رفاقه ومحبيه يعطي إشارات مخيفة سنلمس تداعياتها على المدى القريب، فدولة الاحتلال فالأمن الإسرائيلي يتابع ويراقب الفعاليات التضامنية في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية والشتات، ويخضع هذه الفعاليات للدراسة والتحليل، فالأمين العام للجبهة الشعبية ليست بالشخصية العابرة بالنسبة للشاباك الإسرائيلي، فهو الذي حطم نظرية الآمن الإسرائيلي عندما قال الرأس بالرأس رداً على اغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام السابق، مما أدى إلى بعثر الأوراق الأمنية لدي الشاباك الإسرائيلي واسقط الكثير وأسس لثقافة جديدة على الساحة الفلسطينية قد تكون عملية اسر الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط إحدى أوجهها.
أن ما يتعرض له الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليس طارئا، إنها الحرب على ثقافة المقاومة وبتحديد أكثر ثقافة الرأس بالرأس التي أطلقها احمد سعدات عندما انتخب أمينا عادا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المعروف تاريخيا لدى الأمن الإسرائيلي، فاحمد سعدات الرجل الهادئ قضى جل سنوات عمرة في الاختفاء، وهو الرجل الذي حطم الجليد الذي يغلف ثقافتنا في زمن الهبوط والرحيل عن الوطن، هم يعرفون أن سعدات ليس رجل هذا الزمان، وهذا الزمان ليس لسعدات، وهم يدركون الخطر الذي يمثله سعدات حتى وهو في زنزانته.
لقد قال سعدات كلمته ومضى، وكان يدرك تماما حجم الاستحقاق وثقل الصخرة التي ستلازمه بقية حياته، فهو الرجل الذي وقف على رأس المدرسة الايثارية والتضحوية، وكأنه أراد أن يقول لقتلة أبو علي مصطفي ومن اثروا الصمت وعقد الصفقات أنا الرجل الذي حملت هموم المسحوقين على كتفي وخرجت من عريني لأكتب تاريخكم بوجعي، كأنة أراد أن يقول لنا انظروا في وجهي وامنعوا يا أيها العمى الصامتون، وانظروا واستبشروا الحتمية فانا احمل في قلبي الحكيم ووديع وغسان وأبو علي مصطفي، هذا الإرث المنبعث من تحت الرماد الذي يرفض ثقافة موت الثقافة والتنكر لأبجدية التبشير بالهدف.
قد تتداخل الكلمات ما بين السياسي والفكري والأيدلوجي، وقد نفقد ناصية الفكرة ونحن في حضرة الأمين العام، فهذا مقبول ومشروع، لأننا ليس أمام رجل عابر، ولا نمارس النرجسية الفكرية، نحن أمام الحقيقة الوحيدة في زمننا الصعب، حقيقة أن القائد الفلسطيني احمد سعدات وبرغم الإسقاطات الداخلية المخجلة يتصدر المشهد ويطغى على الحضور، وان القائد احمد سعدات يذكرنا بعرينا وانغماسنا في الرذيلة إلى أنوفنا، وهذا مكمن الخطر عندما نحاول أن الولوج إلى حقائق الأمور، فنصفنا يريد يرى سعدات بطلاً ولكن تحت الأرض، وما تبقى منا يرى أن يتخلص من العار الذي الحق سعدات به، فحقيقة أنهم رموا سعدات مقيداً في العزل ستلاحقهم دون هوادة.
لكن الحقيقة المرعبة رأيتها عندما دعيت لحضور فعالية تضامنية مع احمد سعدات في مخيم الدهيشة وبالتحديد في قاعة اكبر مؤسسة في المخيم، لا أريد أن أقول الأعرق لان الأعرق كانت عبارة عن غرفة وكالة نشطت فيها لجان المخيم في زمن العز والزمن الصعب، كانت الفعالية تتمثل بعرض فيلم عن القائد سعدات، وللأسف كان الحضور إضافة إلينا نحن الصحفيين لا يتجاوز أصابع اليد، هذا المشهد ألقى بظلاله على الحضور الذين التزموا الصمت ومتابعة النشاط التضامني إلى نهايته دون أن يطرحوا التساؤلات عن السبب بعيداً عن النتيجة.
لقد نادت صحيفة الهدف الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي قادها الشهيد غسان كنفاني بشعار الحقيقة كل الحقيقة للجماهير،وبلا شك فان طرح الحقيقة للشعب الفلسطيني هي مهمة الحملة التضامنية ومن يقف على رأس الحملة التضامنية مع احمد سعدات، وخاصة أن الرجل في خطر، علينا أن نوى هذه الحقيقة التي لا نستطيع أن نختفي وراء أصابعنا لعدم مشاهدتها.
احمد سعدات في خطر، والمهتمون بأحمد سعدات يعرفون ذلك تمام المعرفة، ومن واجبهم وحق الشعب الفلسطيني عليهم أن يضعوا كل الأوراق بين يدي الناس، لا أن ينظروا اللحظة، فمن غير المعقول الانسياق وراء مقولة أن سعدات في العزل كعقاب، العزل بداية الاغتيال، والحكم على أبو غسان لم يكن 35 عاماً، لقد حكموا على الأمين العام عندما نادى بثقافة الرأس بالرأس التي أسقطت الورقة وأظهرت العري الحقيقي لمرحلة وصمت بالهبوط.
السؤال المزعج، هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات، أميل عاطفيا لعدم التعاطي مع هذه الفكرة، لكن الوقائع الميدانية المحسوسة تؤكد أن الحملة ليس شاملة، ليس لتقصير من الذين يقفون على رأسها، وإنما هي إدارة الظهر من الذين يتربعون على المشهد الفلسطيني ويتحكمون بالبلاد ورقاب العباد.