الجمعة، 30 أكتوبر 2015

تيدكس " الشجاعية" بنكهة المال الكمبرادوري


أيمن أنور

أطُلقت أمس في قطاع غزة النسخة الفلسطينية "تيدكس"  (TEDx)  من البرنامج الشهير " TED" الهادف لنشر الأفكار الجديدة والمتميزة للعالم، والتي ترعاها مؤسسة ( سابلينج) الأمريكية، وهي كما تعرف عن نفسها مؤسسة مستقلة غير ربحية تطرح شعار " أفكار تستحق الانتشار". ومن خلال هذا البرنامج تفرعت برامج في مختلف بلدان ومدن العالم.
يمكن اعتبار هذا البرنامج المثير للجدل أنه احدى فضاءات الإعلام الجديد الذي يستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة، الذي تم توجيهه للعالم أوائل التسعينيات وما زال مستمراً حتى اللحظة من أجل كسر الصورة النمطية للمفاهيم الإنسانية والأفكار المختلفة، وتداولها عبر إتاحة الفرصة لمجموعة من الشباب وأصحاب المواهب والأفكار الإبداعية ليعرضوا أفكارهم الجديدة والمثيرة للاهتمام خلال توقيت معين، بشكل لا يتم فيه تجاوز قوانين ومبادئ وضعها القائمون على البرنامج.

أطلق المنظمون الشباب في قطاع غزة اسم " الشجاعية" على البرنامج لسبب رمزيتها، وصمودها أمام الاحتلال في العدوان الأخير. كما أشاروا إلى المؤسسة الراعية والممولة لهذا المشروع وهي مؤسسة " منيب رشيد المصري" للتنمية، ومؤسسات محلية أخرى، ما يجيب عن التساؤلات عن أسباب التكلفة الباهظة لهذا الحدث، واستخدام التقنيات العالية، ومكان إقامة الحدث، والطواقم التي شًكلت لانجازه.

عّرف المشاركون عن أنفسهم أنهم مجموعة من الشابات والشباب من مناطق مختلفة بالقطاع ذو تخصصات وميول وأفكار مختلفة، وقرروا خوض هذا الحدث من أجل إيصال صوت فلسطين للعالم الخارجي عبر  قنوات " تيد" العالمية، وقد تكّون فريق العمل من 8 شابات وشاب، وحوالي 30 متطوعاً.
لماذا لم يعلن منظمو هذا الحدث على العلن شروط الترخيص الذي بموجبه وافق برنامج " تيد" على منحهم حق العمل بالاسم في القطاع، علماً أن هناك معايير وقوانين وشروط معينة لهذا البرنامج، قد لا تتفق مع الحد الأدنى من مواقفنا ومبادئنا كفلسطينيين، وهناك بعض الشروط التي لا يمكن قبولها أصلاً. كما وأن البرنامج الشهير لديه قائمة طويلة من المصطلحات يشترط استخدامها، وجرى رسملتها ولا يمكن لأي أحد أن يتجاوزها باعتبارها مبادئ أساسية لعمل البرنامج. وللصراع الفلسطيني – الصهيوني مصطلحات خاصة لهذا البرنامج يجب استخدامها، لا يمكن تفسيرها إلا أنها ترويج لمبادئ السلام، وتذويب مصطلحات الهوية الوطنية الفلسطينية عبر مصطلحات جرى تحويرها لتكون جزءاً من مفاهيم واقعية تعطي الاحتلال ذات الشرعية التي تعطيها لشعبنا الفلسطيني.
صحيح أن البرنامج يقبل مساهمات تحمل عناوين وقصص المعاناة التي سببها الاحتلال والحصار والعدوان فضلاً عن قصص النجاحات وموضوعات أخرى بعيدة عن السياسة، إلا أن لديه معايير معينة يجب ألا يتخطاها المساهم، ومن أجل ذلك للبرنامج الحرية المطلقة في حذف وتعديل وإضافة ما يراه مناسباً.
ومن أجل الشفافية وتوضيح فكرة تنفيذ البرنامج في القطاع، كان يجب على المنظمين الكشف عن تفاصيل وشروط تمويل مؤسسة " منيب المصري" للتنمية، ومؤسسات أخرى لهذا المشروع؛ فالمؤسسة الراعية والممولة لهذا المشروع بطبيعتها تتعامل مع هذه المشاريع والبرامج كاستثمار يعود لها بالأرباح والفوائد، ناهيك عن الأهداف الخبيثة التي يسعى من خلالها كمبرادور المال " منيب المصري" من السيطرة على الأجيال الشابة، وتدجينهم وتجنيدهم للعمل وفق منظومته الاقتصادية والسياسية، من خلال إغراءات بالمال والوظائف والسفريات والمشاركة في المؤتمرات الدولية المستهدفة والتي بغالبيتها تحمل طابعاً مناقضاً وعدائياً لبرنامجنا الوطني الفلسطيني.
لا يعي منظمو هذا الحدث أن طموحهم العالي ورغبتهم في الشهرة والنفوذ والقبول بالمال المشروط قد حوّل مشروعهم والأفكار والقصص والمساهمات المعروضة فيه إلى مجرد ماركة تجارية مسجلة باسم " منيب المصري" ومؤسسته المشبوهة، والتي تعمل منذ سنوات طويلة على اختراق المجتمع الفلسطيني، وخاصة الجيل الشاب عبر برامج ومغريات خبيثة، مستغلين طموحهم العالي، وإيقاعهم في براثن هذه المشاريع الهادفة بمجملها إلى كي الوعي، وتحويّل إمكانيات وعقول وإبداع شبابنا إلى مجرد بضاعة يتاجر بها منيب المصري  وحاشيته.
لسنا ضد أي برنامج يحاول نقل رسالتنا وإبداعاتنا وأفكارنا التي تستحق الانتشار للعالم أجمع، لكن لا يمكن أن يتم تحويل الواقع الفلسطيني الحالي بتجلياته ومعانياته في القطاع إلى مجرد مشروع ممول يسعى له مجموعة من الشابات والشباب النخُب، وهذا الفرق بين السعي فعلاً لنقل صورة ما يجري في القطاع من وجهة النظر الفلسطينية والذي نحافظ خلاله على الرواية الفلسطينية الكاملة، وبين مجرد مشروع قدُم من خلال "بربوزل" على جهات ممولة مشكوك في وطنيتها ستقبل بالتأكيد تمويل هذا المشروع، ولكن وفق رؤيتها وأهدافها.

القائمون على المشروع من بيئة نخبوية بامتياز، ومن طبقة معينة ( المثقفون، والصحافيون، والأكاديميون، والباحثون أصحاب الشهادات العالية، والمترجمون، أبناء قيادات فلسطينية بارزة)، أنا لا أقلل منهم ومن تجاربهم وخبراتهم وثقافتهم وتحصيلهم العلمي، ولكن هذه التركيبة عامل إضعاف للرواية الفلسطينية، فمن الطبيعي أن يثري مثل هذا البرنامج ويقدم الأفكار الإبداعية، ويساهم في نقل صورة المعاناة والصورة النمطية الموجودة في القطاع بشكل دقيق أمام الكاميرات هو المواطن البسيط، ابن المخيم، الأم الفلسطينية، العامل، وحتى المقاتل الفلسطيني. هل تستطيعون مثلاً نقل صورة الأخير وتجربته النضالية في احدى المعارك مع الاحتلال من خلال تيدكس الشجاعية؟ .

هل تعلمون من هو منيب المصري، الذي هبط علينا بالباراشوت المالي المريب ليكون أحد أهم الشخصيات الكمبرادورية القذرة التي طغت ونهبت وسيطرت على الرأسمال الفلسطيني عقب التوقيع على اتفاقية أوسلو المشئومة، من خلال شركاته المتعددة خاصة " باديكو" القابضة التي تعتبر أكبر تجمع لعصابة كمبرادورية في فلسطين، والتي من خلالها طبخت الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع الاحتلال، والاتفاقيات التجارية مع تجار المستوطنات ومن بينهم شريكه الصهيوني " رامي ليفي"، وتحت إشراف مستشار إبليس ربيبته " سمير حليلة" مدير عام شركة " باديكو" القابضة، والذي مهمته الأساسية إيقاع الشخصيات الكبرى والشباب والطلاب في براثن امبراطورية " منيب المصري"، ومن خلفهم صبي منيب المصري وصباب القهوة " رامي الحمدالله" الأكاديمي المعروف ورئيس وزراء حكومة أوسلو الحالي.
" سمير حليلة" هو الذي اشترى آلاف الدونمات بثمن بخس من أبناء القرى المساكين في الضفة، وباعها للرأسمالي القطري بأضعاف أثمانها وربح منها  ملايين الدولارات. وهو الذي تقلد منصب أمين عام مجلس الوزراء فترة " أحمد قريع" وهو عدا عن كونه رأس الهرم في الفساد، فإنه مطبّع من الدرجة الأولى، وقد تورط في بيع أراضي فلسطينية للصهاينة الذين بنوا عليها " مستوطنة معالي أدوميم".
منيب المصري وعائلته والأشخاص المقربين منه، هم وباء قاتل معدي يلوث كل من يقترب منهم أو يتبنى برامجهم أو يقبل تمويلهم، هم مافيات في عالم المال، ومتعاونون مع الاحتلال الصهيوني في السياسة والاقتصاد، وشركاء للمستوطنين في بضاعتهم وتجارتهم، وللأسف يتم التعامل معهم من قبل القوى والأحزاب الفلسطينية بأنهم شخصيات وطنية، وحتى في غزة تستقبلهم حكومة الأمر الواقع بالأحضان!
صبيح المصري ابن عم منيب المصري هو الممول الوحيد للقوات الأمريكية من غذاء ولوجستيات خاصة أثناء حربها في العراق، والتي تربحّ منها ملايين الدولارات على أنقاض مدننا العربية، وجثث أطفالنا.

إذن، هذا هو سقف برنامج " تيديكس الشجاعية" والذي بموجبه وافق المنظمون على قبول تمويل مشروط من مؤسسة منيب المصري رغم كل الجرائم التي ترتكبها هذه المؤسسة.
كيف نصدق تحويّل صحافي بيزنس هذا البرنامج إلى فيلم تراجيدي محزن يذرف من خلاله دموع التماسيح وهو يستعرض تجربته الصحافية أثناء الحرب على غزة، وهو الشخص ذاته الذي غطى العدوان على ليبيا بالرواية الأمريكية والصهيوخليجية طمعاً في المال.
التجارة بالقضية الفلسطينية من خلال تسويقها باللكنة الإنجليزية وبالمال السياسي الكمبرادوري، لا يصنع إلا شخصيات انتهازية، يتم تدجينها للقبول بأي شيء هابط. ولنا الكثير من الأمثلة والتجارب والشخصيات المتحّولة في هذا الموضوع. وهنا نفرق بين الكثير من المجموعات الفلسطينية التي تنقل الحقيقة للعالم اجمع عبر ترجمتها بلغات مختلفة.
تستطيع صفحة "يوتيوب" صغيرة تنقل بشكل ميداني صورة الأوضاع في غزة نقلاً عن أبطالها الحقيقيين أن تخترق العالم كله، وتعطي صورة حقيقية واضحة عن الرواية الفلسطينية، دون تكلفة، أو تمويل من أي مؤسسة.
نجدد مرة أخرى تساؤلنا، هل القائمون على " تيدكس الشجاعية" على استعداد لنشر وثائق الترخيص مع شركة تيد الأم، وشروط اتفاقية التمويل مع مؤسسة الكمبرادور منيب المصري؟.