الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

جمهورية موزة الإسلامية


أيمن أنور

" نعرف أنه حاكم عربي عميل وأداة في أيدي الصهاينة والأمريكان، ولكن ما يهمنا هو أمواله التي سيغدقها على قطاع غزة وبعدها فليذهب للجحيم" هذه الجملة رددها على مسامعي أكثر من مرة أعضاء في حركة المقاومة الإسلامية " حماس" في تعقيبهم على زيارة أمير قطر وزوجته موزة إلى قطاع غزة.

هذه الجملة تلخص الموقف تماماً من هذه الزيارة السريالية وهو تطور خطير في خطاب وميول ونزعة حركة حماس، فهي إذ تفتح المجال لتأسيس جمهورية موزة الإسلامية في غزة واتساع النفوذ القطري في المنطقة، فإنها تدشن مرحلة جديدة في تاريخ الحركة الإسلامية التي ملأت المشهد الفلسطيني عندما حصدت الأغلبية في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من سلطة ضعيفة منقسمة على ذاتها في الضفة وغزة".

حركة حماس باستقبالها أمير قطر وهو حامل لواء المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة وهذا الشئ لا يختلف عليه اثنان، إذ تعلن بجدارة أزف مشروعها السياسي المقاوم والممانع الذي تم تعطيله أصلاً في السنوات القليلة الماضية، لصالح مشروع السلطة ومشاريع الرجعية العربية الذي يعتبر أمير قطر أحد نواته الرئيسيين في المنطقة، ولذلك لا يمكن على الإطلاق تبرير هذه الزيارة بأنها ستعلن كسر الحصار المفروض على القطاع، فضلاً عن وصفها بأنها لحظات تاريخية ستنقش في تاريخ الشعب الفلسطيني !!!، فالحصار المفروض على القطاع تتحمل مسئوليته عملياً القيادة الرجعية العربية، التي تآمرت ولا زالت على الشعب الفلسطيني وهي كانت الجدار الخلفي للاحتلال في المنطقة، ومن هنا أتساءل عن مغزى وتوقيت الزيارة والتي تعتبر انفراجة للحركة الإسلامية التي خسرت أهم حلفائها ( حزب الله وإيران وسوريا) ، كما هي انفراجة أخرى لأمير قطر التي كشفت الأحداث العربية الراهنة عروبته الزائفة التي تباهى بها للأسف الشيخ اسماعيل هنية في كلمته أثناء استقبال الأمير القطري.

جدلية العلاقة التي تحكم الأخوان المسلمين عامة وحركة حماس خاصة، تحيلنا بالتأكيد إلى تاريخ علاقتهم العضوية بالملوك والسلاطين والأمراء العرب حاملين مفاتيح الاستعمار البريطاني في وجه القومية والوحدة العربية التي كان يسعى إليها الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، وطالما كان يتكرر ذات المشهد خلال السنوات الطويلة التي عاش فيها الأخوان في ظل الأنظمة العربية الفاسدة، وفي دفيئات المشاريع المناهضة للأمة العربية في المنطقة.
لو استعرضنا مآلات هذه الزيارة في ميزان الربح والخسارة، سنجد أن الحركة الإسلامية قد سجلت نقطة تقدم على ضرتها السلطة الفلسطينية وهي لن تدوم أكثر من عدة أشهر، بعدها ستصبح هذه الزيارة وبال عليها، وهنا أنصح حركة حماس بمراجعة نيجاتيف الزيارة، والتصوير بشكل بطئ حتى تدرك حجم المأزق الذي ستقع فيه لاحقاً، وهو نفس الفخ الذي وقعت فيه بعض البلدان العربية التي طبّلت لعراب ما يُسمى بالربيع العربي أمير قطر في مختلف الميادين، وأضحت صورته وعلم وكازيات قطر ضمن النشيد السياسي لهم، وفي الآخر أضحت هذه البلدان جرداء فقيرة وسلمت الأوراق تماماً للأمريكان.

ما يضفي غرابة على هذه الزيارة هو حجم البذخ والمصاريف العالية التي سخرتها حركة حماس وحكومتها لتزيين الشوارع، ورفع صور الأمير القطري وزوجته موزة، ولوحات وجلديات الشكر والمديح له وكأنه فاتح مدينة القدس!!، أليس هذه الاموال من حق فقراء وعمال وكادحي شعبنا الفلسطيني في غزة، والتي تستمر معاناتهم وتتدهور يوماً بعد يوم، خاصة وأننا مقبلون على أعياد؟!!.

العجيب والغريب هو في توصيفات الزيارة التي أطلقها بعض المطبلين والمهللين أمثال الحاقد إبراهيم حمامي المعشش أبداً في رحم بريطانيا العظمى والذي يسوق الاتهامات هنا وهناك ويحاكم كل من يرفض هذه الزيارة بأنه خارج عن الصف الوطني. أنصح هذا الحمامي أن يذهب للمرآة حتى يرى فظاظة أمير قطر ووجهه الكريه في شخصه نفسه، فمن يبيع كرامته ونفسه ومواقفه ويبرر سياسات خاطئة لحماس، ويتهم الآخر بأنه جزء من السلطة لأنه فقط معارض لحماس، لا يمكن أن يكون رجل عاقل، وهنا أسأل الحمامي ومن على شاكلته ما هو موقفكم من القواعد الأمريكية في قطر، والدور القطري القذر لتقسيم الأمة العربية؟، والعلاقات القطرية مع الاحتلال الصهيوني؟!!، وفتاوي القرضاوي في خدمتهم، ناهيك عن آلاف الدولارات التي تتقاضونها من فضائيات العار نظير نعيقكم المتواصل أليس كذلك؟.

وأخيراً، تذكرني هذه الزيارة بزيارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إلى قطاع غزة في أواخر عام 1998، وهي الزيارة التي جاءت تزامناً مع انعقاد المجلس الوطني والتي تم فيها إلغاء بعض البنود من الميثاق الوطني الفلسطيني الداعية لتدمير دولة الارهاب الصهيوني، نفس الظروف والاستنفار الأمني والاستقبال والتهليل والتطبيل وحتى التنازل تتكرر في هذا الزيارة. وهنا تنتابني غصة وأنا أرى الجناح العسكري لحركة حماس الذي نتباهى به جميعاً، وقد تحول لحرس شرف في استقبال أمير قطر وموزته، كما وتزداد الغصة ألماً وحرقة عندما يقدر الشيخ اسماعيل هنية ثمن غزة وأهلها بـ400 مليون دولار فقط في البشرى التي وعد بها!!!! . باختصار شعبنا علم الجميع أنه لا يتم ابتزازه مهما كان حجم المال السياسي.
في الختام أؤكد أن حركة حماس ليست بخير وستكسر هذه الزيارة حاجز الصوت بين تيارين يتصارعان داخل الحركة تيار المقاومة والممانعة، وتيار رمى بندقيته في حضن وخدمة الرجعية العربية في المنطقة،  وهنا أنصحها بأن تلحق نفسها قبل ان يجرفها تيار أفعالها القاتل.

( انتهى)