الجمعة، 29 أكتوبر 2010

الوحدة الوطنية الفلسطينية: نظرة من الداخل

خالد بركات
لن تجد فصيلاً فلسطينياً مقاوماً، أو حزباً سياسياً في فلسطين المحتلة، لا يدعو إلى ضرورة تحقيق " الوحدة الوطنية الفلسطينية" واعتبارها شرطاً رئيسياً للصمود ومواجهة الاحتلال، إلى الدرجة التي صار يصعب التفريق والتمييز بين خطاب " البيان " الصادر عن حزب ماركسي لينيني أو بين حزب إسلامي أو قومي أو ليبرالي الهوية والشعار. كل القوى الوطنية والإسلامية تدعو للوحدة الوطنية، ويضاف إليها ما ينشأ في هذه الأيام من هيئات ولجان فلسطينية " مستقلة " وغير مستقلة ، بعضها يعرف عن نفسه باعتباره " خارج إطار التنافس والصراع الفصائلي " : على قاعدة فلسطينية تقول : ترى إحنا ما دخلنا!
ولا يرى الشعب الفلسطيني خارطة طريق وطنية تقوده إلى هذه الوحدة المنشودة. ذلك لأن مجموعة من العوامل والأسباب تفعل فعلها في الحالة الفلسطينية، وهي حقائق ( امبريقية ) لا يمكن إنكارها، أو التعامي عنها، أهمها، أن هذا " الانقسام الفلسطيني " بدأ مبكراً جداً، تحديداً في العام 1974، وهو ليس وليد الأمس، وللتذكير فقط، فقد شهدت مخيمات لبنان صراعاً داخلياً بين أبناء الحركة الواحدة، وصلت إلى استخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة، بما في ذلك دبابات تي 54 ومدافع الهاون وقذائف الار بي جي ، وقد حدث ذلك في زمن ( الفدائية) والثورة الفلسطينية، وقبل ولادة السلطة الفلسطينية العاجزة في العام 1994 .
كانت سلطة " فتح " موجودة ومهيمنة في المخيمات " الثورة" الفلسطينية، خاصة في لبنان، وكانت تمارس دور السلطة وما هو أبعد من ذلك، تقوم بالتحقيق وإصدار القوانين وشكلت أجهزة أمنيه منها ما يتصل " بجهاز الأمن الداخلي للثورة " و" جهاز الرصد " وغيرها، وكانت الحركة تصدر قرارات وأحكام تصل إلى حدود الإعدام وفق " لائحة القانون الثوري الفلسطيني " ومعظم هذه الممارسات كانت في إطار يستهدف عملاء العدو الصهيوني أو خصوماً سياسيين للحركة وياسر عرفات في لبنان.
ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965 على يد حركة فتح، ولاحقاً انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، دخلت الساحة الفلسطينية وفي أكثر من مرة إلى محطات وعرة وشهدت شكلاً من أشكال" الانقسام الفلسطيني" تمثل ذلك في تصادم مستمر وعلاقات متوترة مشحونة بين " النهج العرفاتي " و " النهج الثوري " وقامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتأسيس ما عرف ب " جبهة الإنقاذ " و " جبهة الرفض " وغيرها من التكتلات الفصائلية في مواجهة قيادة التفرد والإقصاء التي رسختها فتح في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت بدورها تضم تحت جناحها ( ولا تزال) قوى فلسطينية حليفة وتابعة.
إن الخلافات الفلسطينية الداخلية حقيقية وقديمة، تتغير فيها الأسماء والرموز والعناوين ، لكنها تبقى حتى بعد كل " مجلس وطني توحيدي " لأن جوهرها يظل فاعلاً تحت رماد المشهد الوطني والقومي والدولي. ولأن خلافات الفلسطينيين تعكس حدة التناقض ووتيرة الصراع السياسي بين فريقين متعارضين لم يلتقيا إلا لماما وفي زمن الثورة والانتفاضة فقط، أما في زمن السلطة الفلسطينية " فالعلاقات الوطنية " تتغير والمصالح كذلك.
وكان الدكتور الراحل جورج حبش يمازح المرحوم ياسر عرفات أيام بيروت بالقول: " الحمد لله لا يوجد عندك سجن يا أخ أبو عمار " وحين تحولت الثورة الفلسطينية إلى سلطة أمنية صار بوسع من ورثوا المنظمة أن يختطفوا أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويسلموه للغزاة الأجانب في الظلام. لأنه في السلطة كل شي يخضع للمبدأ الصفقة..
الصراع الفلسطيني الداخلي هو صورة ( وإن لم تكن طبق الأصل ) للصراع الداخلي في لبنان والأردن والمنطقة العربية، وهو صراع بين معسكر التسوية حتى لو على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية، في مواجهة معسكر آخر بديل هو معسكر المقاومة الشعبية وقوى التغيير الديمقراطي . إن الأول يسعى لفرض هيمنته على الآخر، وإذا جرت تقاطعات وقواسم مشتركة أو إعادة صياغة للخارطة السياسية الداخلية أو إذا استوحش العدو، يضطر القوم للوحدة" ويسمى ذلك " وحدة وطنية " و" مصالحة داخلية " وخراريف من هذا النوع!
إن التناقض الفلسطيني الداخلي يقول حقيقة صارخة ننساها أحياناً، وهي أن الفلسطينيين في نهاية الأمر بشر ومخلوقات وطبقات وشرائح اجتماعية مثل سائر الجماعات البشرية وأن هناك قوى سياسية تتنافر وتتصارع. ولكلا المعسكرين، أصدقاء وحلفاء ونصف أصدقاء ونصف حلفاء، هذا يدلل على أن الخلاف الفلسطيني الداخلي أيضاً ليس كله " فلسطيني تماماً " وهو ينتمي لذاك النوع من الصراع الذي لا يمكن حسمه بالقوة المسلحة ولا بالعضلات والسجون وصناعة الفضائح والإشاعات، وهو باق ولو بوتائر ومستويات مختلفة، المهم أن يكون قوة إضافية لمشروع التحرير وليس عبئاً على الشعب والمقاومة كما هو الحال.
الصراع الفلسطيني الفلسطيني حين يخرج عن إطاره الطبيعي السلمي ( الحوار الوطني الديمقراطي ) يمكنه أن يتحول إلى غول يبلع الجميع. أولاً لأنه يعيق عملية المواجهة مع العدو الحقيقي، ويلجم القدرة الفلسطينية الشعبية على اتخاذ المبادرة والدفاع عن النفس. ويعطل قدرة الشعب في بناء مجتمع المقاومة ويقتطع من صمود الجماهير وثانيا، هو صراع يدفع ثمنه في العادة أبناء الطبقات الشعبية المطحونة في المخيمات وأحزمة البؤس. ولا يجلب كرامة أو يحقق النصر لاحد ، ولا يستشهد فيه احد ، وثالثا، يلقي هذا التناحر بشرائح واسعة من العمال والأطباء والمهندسين والفنانين والطلبة في دوائر الانعزال والإحباط واللافعل، ويشكل فرصة ذهبية للعدو ، ولكل طرف عربي يبحث عن حجة جاهزة للاستسلام والتسليم والتطبيع والاغتراب وتحميل الفلسطينيين عبئ القضية المركزية الأولى للعرب..
الصراع الفلسطيني الداخلي يوفر الذرائع لجامعة الدول العربية للهروب من مسؤوليتها بحجة واهية تقول "شوف صراع الإخوة الفلسطينيين اللي ما بيوقفش دة"! ولذلك، كلما سألوا وزير الخارجية المصري عن الموقف إزاء العدوان الصهيوني وممارسات إسرائيل في القدس المحتلة، يتنهد الوزير ولا يتحدث عن العدوان الإسرائيلي بل يهرب نحو "صراع الإخوةالفلسطينيين الذي نتابعه عن كثب ونسعى لحله!"!
إن هذا التنافس بين حركتي "فتح" و"حماس" على رضى "المجتمع الدولي" يشوه بدوره صورة النضال الوطني الفلسطيني، ويخربش وعي الإنسان العربي، ويقسم كل شيء، بما في ذلك حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني التي لم تسلم هي الأخرى من تداعيات " الانقسام الداخلي ". وعليه ، فإن التقدم إلى الأمام في مشروع الوحدة الوطنية سيكون ممكنا بخارطة الطريق الفلسطينية التي تصوغها إرادة جماعية وعقل نقدي ويقظ، وتحميه قوى شعبية وأهلية، بديلا عن طريق الاستسلام بالمفاوضات – الضربات – المباشرة والغير مباشرة !.
لا بد من إضعاف سطوة التناقض الداخلي الفلسطيني وكسر نبرته وتعزيز العلاقات الوطنية الفلسطينية في ميادين العمل والنضال ضد الاحتلال ، لكن في إطار يتجاوز " وحدة الفصائل " إلى وحدة الشعب والمجتمع ، والدفع أكثر نحو سلوك وقيمة التضامن الداخلي بدل الصراع المجاني والذي لا ينتصر فيه احد سوى العدو وحلفاؤه..

رداً على عزام الأحمد : أنت لست شجاعاً لكي تعتذر.

خليل المقدسي

مع أزلام السلطة الفلسطينية، وصلت حالتنا إلى ما هو أبعد من كارثي. إن أحدهم يتهم " الشعب " بأنه غير واعٍ ويحتاج لتطوير مداركه ووعيه حتى يفهم .

لماذا؟ لماذا يحتاج الشعب الفلسطيني إلى فعل ذلك؟ يقول لنا المسئول الفلسطيني عزام الأحمد رئيس كتلة فتح في المجلس اللاتشريعي، حتى يصير " الشعب " قادراً على النفاذ إلى حكمته ورؤيته الثاقبة. ويصل إلى مستوى الإدراك الحسي والعملي لفكره الجدلي المتماسك الرصين والقائم على البحث والعلم والدراسة والتمحيص والتدقيق ومعرفة العدو والصديق، فضلاً عن الكم الهائل للمعلومات التي يختزنها المسئول في عقله الكبير، وعليه، يا شباب، فإن خلاصة هذا " الفكر الأحمدي" عرضه الرجل في لقاء مع تلفزيون وطن وتلخص في التالي:

اتفاق صنعاء ، بين فتح وحماس، كان للاتفاق على الحوار بين فتح وحماس، ولم يفشل، واليسار الفلسطيني غير موجود!

الله اكبر . هذا فكر؟ الله يرحمك يا ادوارد سعيد وأنيس صايغ . تعالوا وناظروا فكر الثورة كيف يتلخص في عزام الأحمد!

طيب، إذا كنا حمير إلى هذه الدرجة ولا نفهم ما يريده المسئول الفلسطيني، فلماذا لم يصبر السيد الأحمد ويطول باله على صحفي يمارس مهنته وواجبه ويسأل ( باحترام زايد عن اللزوم وهذا أحياناً يشجع هؤلاء على التمادي) بل يستنفر المسئول الفتحاوي ويهجم على صحفي فلسطيني . يريد الأحمد أن يعلم الصحفي مهنته ويعطيه " درساً في الثقافة والحوار والأخلاق " وكيف يسأل، وماذا يسأل، لأن هذا السؤال غلط " ولأن هوية تلفزيون وطن معروفة، وظل يكرر هذه اللازمة المشروخة " سؤالك غلط؟

لو حدث هذا الأمر في كندا أو السويد فان هذا المسئول سيستقيل من موقعه الحزبي على الفور. وسيقدم حزبه اعتذاراً مكتوباُ للصحفي ولمعشر الصحفيين في اليوم التالي وعلناً.

لا يحترم المسئول الفلسطيني جهد صحافي فلسطيني جاء ليسمع رأي الأحمد ويوفر له فرصة لمخاطبة جمهور فلسطيني يشرح موقف حركة فتح ويرد على أسئلة الناس. وتعود قلة الاحترام لجهل حقيقي بدور الصحافة وموقعها أولاً، ولهذا العقم في الفكر والممارسة السياسية للمسئول الفلسطيني التقليدي ثانياً، وعلى السيد عزام الأحمد وغيره من المسئولين الفلسطينيين في السلطة أن يتعلموا شيئاً من أخلاق الشارع الفلسطيني وكيف يخاطبوا الصحفيين باحترام وتقدير، تماماً كما يفعلوا حين تسألهم مذيعة صهيونية أو فرنسية أو أمريكية أسئلة " أزفت " و " غلط " و " تثير الانقسام " ، ولكنهم يردوا بصوت منخفض وهم يتقمصوا دور المسئول /المثقف المحترم.

لم يرتكب الزميل الصحفي جرماً كي يشن الأحمد هجوماً على اليسار وعلى تلفزيون وطن " فلو كان هذا الصحفي إسرائيلي لما تعامل معه بهذه الطريقة الفجة. ويذهب لشن هجوم بلا مبرر على قوى اليسار الفلسطيني ويسأل الرجل بمنطق الفئوي الصغير: أين هو اليسار الفلسطيني؟ اثنين في المجلس التشريعي؟ هذا هو اليسار؟

ولو كان عزام الأحمد يسأل عن قوى اليسار ودورها من منظور الحريص على وجود يسار ثوري يكون جسراً للوحدة والنضال، أن اليسار " يوجد " في عين الأحمد إن كان ظهراً للسلطة الفلسطينية ومطية لحركته، ويلغى ويقصى أن خالف قيادة فلسطينية لاشرعية وطالب بالإصلاح والمكاشفة والمراجعة السياسية الشاملة ودعي للحوار واستعادة بوصلة النضال الوطني!

وبدل أن يذهب المسئول الأول لكتلة فتح نحو خطاب وحدوي وطني يطالب فيه الجميع بتحمل مسؤولياته خاصة تلك القوى التي تغتصب السلطة غصباً، في رام الله وفي غزة.

قد لا يكون اليسار ، وخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، طرفاً فاعلاً في انجاز الوحدة الوطنية، ويجب أن يبذلوا جهداً أكبر في هذا الإطار، لكن ليست الجبهة من تقول كلاماً للسيد الأحمد وتقول أشياء أخرى في رام الله، وهو يعرف من الذي يقول كلاماً مختلفا كلما زار دمشق وعاد إلى رام الله.

على السيد الأحمد أن يحترم نفسه ويعتذر للصحفيين الفلسطينيين ولليسار الفلسطيني، والذي لو لم يكن موجوداً لما سأل عنه الأحمد ، موجود رغم كل شئ، حتى لو أصيب الأخ بالعمى واختار أن يعطل بصره وضميره في لقاء صحفي عابر. لكنه لن يعتذر، وسيدافع عن انقسامه ولغته الغارقة في العدم وفي الكلام الذي لا يعني أيما شئ ولا يضيف سطراً واحداً لسفر النضال الفلسطيني.

الأحد، 24 أكتوبر 2010

لماذا تعزل " فلسطين " عن هيئة الأمم المتحدة؟


خالد بركات
رغم أن ما يسمى " بالمجتمع الدولي " لم ينصف يوماً الفلسطينيين والعرب، إلا أن المرء لا يمكنه أن ينكر هذا الهلع الإسرائيلي والذي يعتري مواقف قادة الكيان العنصري، وهو لا يريد أن يرى القضية الوطنية الفلسطينية " تعود " إلى أروقة الأمم المتحدة ولذلك يسعى إلى " حل كل شئ وكل القضايا " في إطار المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية ، وهو يعلم أن هذه الأخيرة تذهب إليه وهي راكعة سلفاً. ورغم ما تقدم ، من حق البعض أن يسأل ويقول : يا عم، إذا كانت هذه الهيئة الدولية لم تستطيع فرض قرارا واحدا على الكيان الصهيوني طوال 62 سنة من الصراع وحتى في " عز " الحرب الباردة ووجود الاتحاد السوفيتي وجمال عبد الناصر ، فماذا لو " عادت فلسطين " إلى الأمم المتحدة الآن؟ هل تفرق المسالة معنا؟
نحن مع الدعوة التي تقول أن القضية الوطنية الفلسطينية هي مسؤولية الشعوب والدول في المنطقة والعالم اجمع وليست مسؤولية الشعب الذي وقع عليه الضرر والاحتلال وحسب، فالكل متورط وغارق حتى اذنيه في هذا الصراع الدامي في المنطقة والذي يتجاوز حتى حدود "فلسطين " . لكن لأنها قضية عادلة وتستند إلى واقع وحقائق ومعطيات من الصعب إنكارها أو تشريع ( كل ) الاحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية. فان وجود فلسطين في الأمم المتحدة هو أمر غاية في الأهمية ولا يتعارض مع أي سلاح شريف يسعى للمقاومة والتحرير.
إن فلسطين ، في هيئة الأمم ، تشكل عبئاً على صانع القرار الأمريكي وهو يحشر نفسه وحيداً ومعزولاً إلى جانب العدو الصهيوني في الجمعية العامة والمؤسسات الدولية . ولا احد في واشنطن أو "تل ابيب" يريد تكرار هذا المشهد الذي تعب منه الأمريكيون إبان الانتفاضة الشعبية الكبرى في العام 1987 . ولا يريد العرب أن يجدوا أنفسهم مضطرون للوقوف على الجانب الآخر من الموقف الأمريكي والبريطاني.
إذ حتى عندما تمارس الولايات المتحدة الأمريكية أقصى درجات الضغط وإرهاب ممثلي الدول في الأمم المتحدة إذا اتصل الأمر بشأن فلسطين ( حتى لو كان غير ملزم ) فإنها لا تستطيع أن تحشد معها سوى ثلاث دول أخرى، أو بالأحرى ثلاث جزر محتلة ولم يسمع بها أحد : كوستوريكا، نيكروميزيا وثالثة لم أعد اذكر اسمها الآن! هذا يهز صورة الولايات المتحدة ، وهي تحمل لواء الحرية والاعتدال في العالم.
إذن ، لماذا لا تذهب القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة؟ ومن الذي يعيق تفعيل الوجود الفلسطيني وقضية الشعب الفلسطيني في المؤسسة الدولية ؟ على الأقل لتقف شاهدة تذكر العالم بكارثة إنسانية كبرى حلت بشعبنا والأمة ، وأنهم زرعوا كياناً عنصرياً لنا ، صنعوه في الغرب الاستعماري لضمان سيطرتهم على ثرواتنا. خاصة وأنه لا يوجد قضية قومية حازت على شبه إجماع كالقضية الفلسطينية ، وعليه ، فإن هذا " المجتمع الدولي " مطلوب أن يتحمل مسؤولياته التاريخية والأخلاقية. فهو مدان ومتواطئ وليس محايد وبرئ..
إن الذي يتحمل المسؤولية في تغييب فلسطين عن الأمم المتحدة هم الفلسطينيون أولا ، والعرب ثانياً، والمسلمين ثالثاً، وهؤلاء لهم منظمة التحرير وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ويشكلوا ثلث عضوية الأمم المتحدة تقريباً، عداك عن دعم معظم الدول افريقية ودول أخرى فاعلة في أمريكا اللاتينية بل وصديقة للفلسطينيين والعرب . وبدل أن يشكل هذا الواقع مصدر قوة لقضية الشعب الفلسطيني يصبحوا مصدر " إغراء " لإسرائيل " حتى تتفتح شهيتها للسلام ، " لأننا سنكفل لكم التطبيع مع 57 دولة " هكذا يفاوض رئيس الفلسطينيين!
على الشعب الفلسطيني ألا يقبل هذه المفاضلة السخيفة بين أن تكون قضية فلسطين ملفاً أمنياً في أدراج المخابرات العربية يديره السيد عمر سليمان وتتحول أكبر قضية إنسانية وقومية معاصرة إلى عنوان فرعي يندرج في إطار الحرب على الإرهاب ويمكنه أن يكون دليلاً لنظرية " الأمن مقابل السلام " التي تفرض اليوم على الشعوب ، خارج ما عرف يوماً بحق الأمم في تقرير مصيرها.
أو، وهذا الخيار الآخر: أن تتحول إلى قضية فقراء " يصرف " علينا الغرب وتشغلنا وكالة الغوث ومؤسسات الاونروا.
إن الذي يقصي فلسطين من هيئة الأمم هو ممثل فلسطين فيها. تتذكر بعثة فلسطين أنها موجودة عندما تقع مجزرة أو عندما يطلب منها بأن تتواجد لإبطال مفعول قرار لصالح الشعب الفلسطيني. وإن الذي يمنع من تفعيل " الملف الفلسطيني " في الأمم المتحدة هو رضوخ العرب للقرار الأمريكي واستئناسهم بالمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كان مباشرة أم غيرها، المهم أن " يحلوا عنا الفلسطينية " !!
فلسطين سيحررها شعبها وأمتها العربية، بالسلاح وبالديمقراطية والفكر وبالثورة، وهناك خيارات كثيرة للصمود ولتحقيق انجازات على الأرض، حتى لو كان الإحباط هو سيد الموقف الراهن . مطلوب حماية ما تحقق من انجازات بفعل صمود ونضال الفلسطينيين وصبرهم ، وعلى القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية والإسلامية أن تصحو من غفلة انقسامها وتشرذمها ، وان تثق بشعبها أولاً، لان القانون الدولي هو أداة بيد الفلسطينيين يساعدهم في عزل عدوهم ، لكن يجب ألا يلقى على كتفيه مهمة ومسؤولية تحرير فلسطين!

المواقف لا تقدر بحسابات


أبو كنعان

سأبدأ من حيث انتهى الكاتب والصحفي الفلسطيني " حمدي فراج" في مقالته التي جاءت بعنوان " عن الجبهة الشعبية وتعليق مخصصاتها"، عندما تساءل ؟ "لمن تذهب مخصصات الجبهة المعلقة، وهل ستحصل عليها بمجرد عودتها بأثر رجعي أم أنها توزع على بقية الفصائل؟".

تأملت بحيرة بالغة تساؤل الصحافي لعلي أتفهم منطقيته في عرض هذه المادة الصحافية ، وعندما فشلت تركت عالم الصحافة وبحثت عن المجال الذي تنتمي إليه، وأخيراً وجدتها مادة صحفية تلائم عالم الاقتصاد والمال، لأن الكاتب صراحة غادر التبريرات الصحفية المتوقعة أن تتضمنها مقالته، ولم يتعمق في الأسباب المباشرة التي جعلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تعلق مشاركتها في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولم يطرح أيضاً بأسلوب نقدي متوقع ممارسات القيادة الفلسطينية المتنفذة ضد المؤسسة الفلسطينية وقرارات الإجماع الوطني، ولم يعبر حتى عن رأيه ككاتب صحافي بطريقة سياسية متوقعة، وإنما عبّر عنها بطريقة البيزنس، فما قيمة تساءلاته المتكررة في المقالة عن حجم المخصصات الشهرية للجبهة، ولماذا يهتم اهتماماً بالغاً بقيمة المخصصات التي تتقاضاها باقي الفصائل؟ يبدو أن الصحافي العزيز لديه مستحقات ما على منظمة التحرير الفلسطينية أو جهة أخرى، وقد سال لعابه مما سربته وسائل الإعلان من خبرٍ غير أكيد عن قطع الرئيس مخصصات الجبهة الشعبية.

وبدا كاتبنا الصحافي من خلال استفساراته العديدة والغريبة وكأنه ورث مالاً أصبح بلا صاحب، وأراد أن يُلمح للقيادة الفلسطينية أنه الوريث الوحيد لهذه الأموال، وهذا ما ظهر واضحاً في انسياقه لكلام الرئيس الفلسطيني عباس عن الجبهة الشعبية " رجل جوا ورجل برا"، هذا دليل على أن سيدنا الفاضل يتبنى موقف السلطة، ويعارض احتجاج الجبهة المنطقي على تفرد القيادة المتنفذة في المنظمة بقرار المؤسسات الفلسطينية.

وبعيداً عن التأويلات وعمليات القسمة والضرب والطرح والتوزيعات والتقسيمات التي جاءت في لغة الكاتب، وبعيداً عن الدفتر المحاسبي ( الدائن والمدين) الذي أتخمنا به الكاتب.. على تجار الكلمات أن يمسكوا الخشب عندما يُذكرون اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هي ليست في جعبة أحد، كبرياؤها عبر تاريخ النضال الفلسطيني أعلى من الجبال وأعمق من البحار والمحيطات، وحممها أقسى من البراكين، ومبادئها أغلى من آبار النفط العربية، وأعظم من السلطة وما فيها، وارثها الكفاحي الذي امتزج بدماء آلاف الشهداء الفلسطينيين والعرب والأمميين لا يقدر بمال أو ثمن، ورصيدها النضالي أكبر حجماً من الصندوق القومي الفلسطيني، فلتذهب أموال المنظمة للجحيم.

بدلاً أن يضم الصحفي المحترم صوته إلى صوت الجبهة الذي يطالب بالإصلاح والمكاشفة ذهب في الاتجاه الآخر، وكان الأجدر به أن يوجه نقده إلى من يملك المال ويستأثر بالقرار الفلسطيني.

( انتهى)

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

فتح وحماس و" مكان " المصالحة: اذهبوا إلى المخيم

خالد بركات

يدب الخلاف هذه الأيام بين قيادتي " فتح " و " حماس " حول مكان اللقاء المرتقب بينهما، وهو " الثاني " على زعم الصحافة ، وكما يقال، إذ لم نعد نعرف من أين نبدأ العد والتأريخ لهذه اللقاءات المتعاقبة والمكررة بين الحركيتين والتي تجاوزت ال 50 لقاء بالمناسبة.

لكن عنوان الخلاف هذه المرة يقول : أين سيكون اللقاء القادم؟ في دمشق أم في القاهرة ؟ وأين تتصالح الحركتين الكبيرتين ؟ وهكذا ، يستمر العبث بالوحدة الوطنية الفلسطينية، الغابرة والتي لا تريد أن تأتي..

يتمرّن الأخوة في " لعبة " الديمقراطية الفلسطينية تحت الاحتلال، ويكون المرء بارعاً في التفاوض مع شقيقه وغضنفر وكاسر إذا اتصل الأمر بالواقع الداخلي الفلسطيني ، لكنك تراه "يرّيل " ( يسيل لعابه ) أمام موظفة أجنبية أو سفير أوروبي أو مبعوثة دولية.

على المكان يختلفان ولا يتنازلان ، أعوذ بالله !

ونحن نسأل: طيب، ألا تنفع كل هذه المخيمات مكاناً للقاء الوطني بينكم ؟ عددها 62 مخيماً، ويمكن لأي منها أن تستضيف قيادات وطنية محترمة من الطرفين، ويوقع الأخوة – الأعداء- اتفاق المصالحة المنتظرة أمام جيش اللاجئين الفلسطينيين. ما المشكلة في الأمر؟

ولو فكر الأخوة في حركتي فتح وحماس ، لوجدا أن المصالحة بينهما تحت عين الشعب وفي المخيم وبرعاية شعبية فلسطينية وعربية، هي أرحم وأكثر طهراً من كل اتفاقياتهما بما في ذلك اتفاق مكة، وسوف يعفيهما المخيم من هذا التملق الممجوج للأنظمة العربية، لأنه لن يكون لازماً أصلا، ويزيح هذا العبء الرابض على كاهل الطرفين ويرفع ما يسمى " بالضغوط" ، رغم أن هذه كذبة كبيرة...

يقولان : قرارانا موحد ومستقل!

عال، إذاً لماذا لا تذهبوا إلى مخيم اليرموك في دمشق ؟ أو إلى مخيم جباليا في قطاع غزة؟ قولوا لشعبكم : أنت مرجعيتنا الوحيدة ، وحق العودة هو جوهر الصراع مع العدو ، وسنبني معاً جبهة وطنيه موحدة ونواجه العدوان والاستيطان ، ونستعيد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. وسنحترم العلاقات الوطنية وما يقرره شعبنا في الوطن والشتات. وسيكون الأسرى على أولوية برنامجنا الوطني الموحد..

الحقيقة الموجعة هي أن " المكان " هو عنوان زائف ، فكلاهما يستفيد من استمرار هذا الواقع الفلسطيني المزري وهذا الخراب الذي يظلل العلاقات الداخلية ، ويحدث ذلك على قاعدة تغليب المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية العامة. لذلك ، فإن لغة العضلات والسلاح أسهل ألف مرة من لغة الفكر والحوار، وأن تحقيق الوحدة الوطنية وحماية القضية والثوابت، يحتاج إلى أكثر من مجرد " بيان مصالحة " برعاية رسمية عربية.

إن المكان هو الذي جوهر الموقف ، ويكشف، الـ هنا والآن.

الأحد، 17 أكتوبر 2010

لماذا تحرص " إسرائيل " على وجود السلطة؟

خالد بركات

تحرص اسرائيل على وجود السلطة الفلسطينية وتعمل على تسليك " امورها " وخاصة في الميدان التجاري، وما يطلبه السوق الفلسطيني وحرية الحركة . كما ان دولة الاحتلال تعترف بحق السلطة في الوجود، وتراه مؤاتيا لها، اذ ان قبول او رفض السلطة الذهاب الى المفاوضات ، لا يمنع من تسارع وتيرة التنسيق وتعزيز التعاون الامني بين الكيان الصهيوني وسلطة رام الله ، وتلك الزيارات الميدانية لقيادة جيش الاحتلال في الضفة، تشبه ذاك القائد الذي يتفقد جنوده في الميدان ويربت على كتفهم ويرفع معنوياتهم القتالية ضد " العدو المشترك" .

وتحرص اسرائيل على وجود كيان فلسطيني هزيل ، لا حول له ولا قوة ، او التهديد بالفوضى العارمة. اما ان تقبلوا بهذه السلطة ، كما هي ، او سنجتاح جنين ورام الله مرة اخرى ونذهب الى الحصار. لكن هذه الدولة المارقة اللاشرعية ، لن تستطيع فعل ما يحلو لها ، وتنفيذ تهدياتها ، اذا كانت جبهة الفلسطينيين موحدة وتقاوم بارادة جماعية واحدة. وحتى يتحقق هذا الامر ، يجب ان نبحث في دور السلة المعيق لتحقيق الوحدة السياسية والميدانية ، وتعي اسرائيل هذا الدور وتغذيه وتحرص عليه.

الشعب الفلسطيني لا يريد سلطة بقدر ما يريد مجتمع فلسطيني قادر على قيادة وتسيير حياته وشؤونه ويختار وينتخب هيئاته الوطنيه والشعبية ، وهي متعددة ، تبدأ بالمجالس المحلية والبلدية والنقابات ولا تنتهي بالجامعات ودور قوى ومؤسسات المجتمع الاهلي والاحزاب السياسية. لذلك يقول البعض في نزق وغضب " قبل السلطة كنا احسن " ، هذا بالضبط ما يقصده الناس، بمقولة " قبل السلطة كانت احوالنا احسن " ، لاننا كنا نحترم المبادرة الشعبية وكان المجتمع يعمل وفق شروط التضامن الاهلي والوطني ويتحمل مسؤولياته. وكانت المشاركة الشعبية هي الاساس ، وليس " برنامج الوزارة " !

دولة الاحتلال تريد ان تبقى السلطة ، بما يكفي لتنفيذ مشاريع الاستيطان ، ويجب ان لا تكون سلطة الشعب الفلسطيني بقدر ما تكون سلطة شريحة محددة من الاثرياء الفلسطينيين والتي ارتبطت مصالحهم مع مصالح الاحتلال. وهؤلاء يخوضون تنافس محموم مع بقايا حركة فتح. ان هذه الشريحة تريد السلطة وتعتقد انها الاحق بها ذلك ان " العائين " جاؤوا ونهبوا " الوطن " فيما " نحن " ابناء البلد " خارج القرار!

هذا الواقع هو الذي يؤسس اليوم لدور العشائر التقليدية في المجتمع القروي و " المديني " على حد سواء. على حساب دور الحركة الوطنيه المشتظية.

بوجود السلطة ازيحت الحركة الوطنيه الفلسطينية واقصيت، لانها سلطة للبرجوازية الفلسطينية الطفيلية التي تراكم راس مالها تحت الاحتلال ومن اموال الشحدة ومن الفتات ، وتعتبر ذلك " مهمة وطنيه " ، لذلك مثلا " يحملنا جميلة " كما يقال بالفلسطيني ، السيد رئيس الوزارء في السلطة ، كلما شقت سواعد العمال الفلسطينيين الفقراء شارعا او " زفتت " زقاق امام مدرسة او في قرية معزولة.

قد لا تكون اسرائيل حريصة على محمود عباس مثلا، لانه في نهاية الامر ، فرد واحد ، وهناك من " الافراد " كثر ، ومن هو جاهز ليلعب الدور و" يملا الفراغ" .

المهم ان تبقى السلطة ، جاثمة على رقاب القرار الوطني الفلسطيني، وباسم وجودها المقدس تتصدع قضية الفلسطينيين وتتحول الى شظايا. لا تخافوا ايها الفلسطينييون ، اذا سقطت السلطة ، وهي حتما ستيسقط، سيكون ذلك خيرا لكم ، وسوف تستعيد الحركة الوطنيه مكانتها ودورها الطبيعي ويعود القرار لشعبه.

الجمعة، 15 أكتوبر 2010

نحن حزب 17 أكتوبر وقائدنا أسمه أحمد سعدات


خليل المقدسي

من حق شعبنا أن يذكر عملية 17 أكتوبر البطولية وهو يزهو ويرفع رأسه عاليا إلى السماء. من حقه أن يقول لنفسه: حتى لو كانت عملية يتيمة، حتى الآن، فهي لما تزل تشع وتضئ، مثل سهم الجبهة الشعبية، وتؤسس لثقافة جديدة وفكر يقول: لماذا يكون القائد الصهيوني " منطقة محرمة " لا تطالها يد الشعب الفلسطيني ؟ هذا السؤال خرج على شكل " زفرة جبهاوية " ضد طائرات العدو التي خطفت جسد قائدها الأول.

من حق الشعب الفلسطيني أن يتذكر هذه العملية البطولية، حتى ولو بالصمت والهمس، لا لشئ، إلا ليعرف حقيقة انه يستطيع ويقدر، حين يقرر.

حق لرفاق وأنصار وأصدقاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن يرفعوا رؤوسهم عالياً وعالياً، وهم يستعيدوا في خيالهم صورة القائد الجبهاوي الحر عاهد أبو غلمة، ورفاقه الذين صنعوا عملية 17 أكتوبر، حين أطاحت يد الجبهة براس العنصرية والصهيونية ورمز نظرية الترانسفير: المقبور ألف مرة رحبعام زئيفي.

هؤلاء الأبطال، حمدي وباسل ومجدي ، غادروا بيوتهم ومضوا. لم يطلبوا شيئاً من أحد. لم يسألوا أحد عن أحد، وقد ولدوا قبل هذا اليوم، قبل 17 أكتوبر، لكنهم في الطريق إلى " الهدف " اكتفوا بصمتهم ونارهم التي تشتعل ولا تهدأ . لا شئ في الذاكرة، غير صورة ذاك الثائر الذي ولد في " عرابة " وجاء من البعيد، ثم قال لهم: " هيا يا رفاق، نبني الجبهة الشعبية طوبة، طوبة، ها ؟ " وقبل أن يبتسم بلحظة غادرهم ومضى، ولم ينتظر الجواب..

في ذكرى الرد ، ستشعل الجبهة الشعبية لكم قناديل روحها، وستذكر الرفيق أبو علي مصطفى، اليوم، أكثر مما تذكره في أقسي يوم، فهو مثلكم، لا يغيب ولا يذهب إلى أي مكان، وهو باق هنا، حي في ضمير شعبه، يعلمنا حكمة فلسطينية تقول: لا تنسوا، أنتم حزب 17 أكتوبر، ولا تنسوا، هناك أرواح لا يغيبها الموت، ولا يقتلها الرصاص، ولا تحرقها قنابل العدو ولا تحبسها زنازين العزل!

نحو النصر .

عاشت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

17 أكتوبر، 2010

الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

ياسر عبد ربه : سيرة سياسي مهزوم .


خالد بركات

حين يغيب الشعب الفلسطيني، أو يُغيبّ الجمهور، تحضر السلطة الفلسطينية بكامل زيها، تماماً مثل قانون الليل والنهار، الأول يطرد الآخر، تأتي وتطرد العقل والشعب معاً، والسلطة الفلسطينية، أسطورة مثقلة بالأحاجي والهبل وأوهام المثقف - السياسي الجديد، ” الوطني ” جداً، والذي يُكثر في الحديث عن الوطن لكنه في الحقيقة لا يقول أي شئ! ويعلك لغة هلامية، عمياء، بحسب الشهيد غسان كنفاني، ولا أصل لها، يقبل بتسليع الإنسان والوطن والثورة والمرأة والأرض والكرامة والشهداء، كل شئ ، بالنسبة إليه، قابل للبيع والشراء والعرض والطلب، وكل حالة فلسطينية نبيلة ومقاتلة، يمكنها أن تخضع لمنطق السوق والصفقة التجارية، لا فرق هنا بين صفقة ” سياسية” وأخرى “اقتصادية" . لا فرق.”.

للمثقف الأسلوي فلسطينه الخاصة، وطنه الجديد، وهي ليست سوى دونمات ومناطق وبيزنس.

ولأنه تاجرٌ “ديموقراطي” ويعرف السوق جيداً، برّر كل كوارثه باستعارات هزيلة ومقلوبة عن الواقعية السياسية ومعنى الإصلاح الديموقراطي : هذا المثقف الفلسطيني هو بوق الفساد الشامل والناطق الرسمي باسم مؤسسة الهزيمة ( السلطة ) الفلسطينية. ياسر عبد ربه نموذجاً! وهو النموذج الأوضح لمشهد ونظرية “التحول الفلسطيني الثوري” من اليقين إلى اليقين أو من اليمين إلى اليمين، ومن أين تأتيه ينفعل ويطرب ويحاورك!.

نموذج المثقف الذي يقبل القسمة على كل الأرقام والجهات، يدافع عن اتفاقياته الكثيرة مع العدو أكثر من دفاعه عن المخيم وعودة اللاجئين، بل انه يدافع عن حصته في صفقة شارك فيها على حساب المخيم واللاجئين، وعبد ربه، مثل غيره من مثقفو السلطة الفلسطينية و (م ت ف)، كان مع “الثورة”، ثم صار مع “اليسار الثوري” ثم انقلب عليه وصار مع قيادة (م ت ف) ثم مع “فتح – عرفات”، ثم مع عرفات بلا “فتح”، والآن ؟ في الحقيقة لم ينقلب على أحد بل ظل ينط من تيار لآخر بحسب المصلحة الشخصية ومن يدفع له أكثر.

لذلك ، يمكنه دائماً أن يشغل أي منصب وموقع في المؤسسة الأوسلوية بما في ذلك الاحتفاظ بموقعه عضواً في اللجنة التنفيذية لم ت ف كان السيد ياسر عبد ربه يحمل لقب “نائب الأمين العام” في تنظيم “يساري” هو الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وكان يدخن السيجار الكوبي على طريقة الشهيد الأممي آرنستو تشي جيفارا.

لكن الفرق بين جيفارا الثوري وعبد ربه الأوسلوي هو الفارق الكامل بين الحقيقة والوهم، وبين الثورة ونقيضها.

كان جيفارا يقول: “أدخن كثيرا لكي اقتل الجوع والذباب”، وهذا معناه انه كان يجوع مع الثوار ويحيا مع المقاتلين في جبال المايسترا بكوبا، وظل يقاتل حتى استشهد في غابات بوليفيا النائية، فالوطن بالنسبة للطبيب الثوري، القادم من الأرجنتين، هو الدفاع عن كل فقراء العالم والانتصار لكرامتهم وحقوقهم أينما كانوا.

لكن السيد عبد ربه لن ينتصر لمقاومة الشعب العراقي مثلا فمن لا خير له في أهله لن يكون له خيراً في أي شيء وهو المشغول في تسويق وبيع الناس وثيقة جنيف سيئة الصيت والسمعة!؟ ويذكر الشاعر الفلسطيني المعروف عز الدين المناصرة، كيف كان الشهيد غسان كنفاني يرفض نشر قصائد ياسر عبد ربه حين كان الأخير في القاهرة، وكان كنفاني يرأس هيئة تحرير مجلة (الهدف)، وحين سأله المناصرة عن السبب قال له غسان: “هذا رجل يكتب الشعر من أجل فلسطين وليس من أجل الشعر يا مناصرة”.. كأن كنفاني أراد أن يقول: أن حب الوطن لا يؤكده مديح الوطن، بل ممارسة ثورية واعية تدافع عن الإنسان والوطن والثقافة المقاومة.

وبين مفهوم الوطن والنقيض، شربت غولدا مائير نخب ” موت ” غسان كنفاني بينما شرب الصهيوني بيرز مع عبد ربه وآخرين نخب “اتفاقيات أوسلو” ونخب “وثيقة جنيف”! ياسر عبد ربه يقرض الشعر؟ أن بإمكانه أن يقرض أي شيء إلا الشعر.. هذه مهزلة! وبلا أي شعور بالذنب، يطل مثقف كل الأزمنة على شاشات الفضائيات العربية ليوجه “رسالة سلام” إلى “جميع الإخوة والأخوات من أبناء الشعب الفلسطيني” ويطالبهم بـ”الكف عن العنف والإرهاب”، ويقترح عليهم السياسي الفلسطيني تبني مشروعه الأكثر واقعية: “وثيقة جنيف”، والآن مؤتمر واشنطن ، مشروعه الوطني الجديد، الذي يولد من رحم مشروع أوسلو الذي بدوره كان نتيجة مشروع سئ سبقه عرف “بالمرحلية”، وهكذا ، مشاريع ” وطنية ” كثيرة تتقزم كلما بحثت عن ” تقطيبها وترقيعها ” و هي في الأصل، سلسلة متصلة من التراجع الفلسطيني أمام الكيان الصهيوني ونفط العرب، هزيمة شاملة صنعتها طبقة فلسطينية تبيع الطحين الفاسد للفقراء في الوطن وتنتظر فرصتها السانحة للانقضاض على حق العودة!

يهرب المسؤول الفلسطيني الفاسد إلى دروب أخرى لا تفضي إلى المخيم وأوجاعه الكثيرة، دروب معتمة ونقيضة في آن، لا تفلت من بين يديه مدينة أو عاصمة، من أوسلو إلى جنيف إلى لندن وباريس إلا وطالتها هامته الصغيرة، وإن تعذر ذلك، وكان لا بد من اجتماع مع العدو في الوطن، فإنه يذهب إلى منتجعات البحر الميت وفنادق تل أبيب، يتنقل مخبولاً بين عواصم العالم، يقفز من (..) لآخر، ويفتش عن سوق جديدة لبضاعته الفاسدة، لقد أدمن المثقف – السياسي منطق الصفقة – القضية، منذ ما قبل حصار بيروت، لكنه أدمن منطق البيع والشراء، وكفاح المؤتمرات في فنادق (الفايف ستار)، واحترف كل سياسة هجينة تدعو إلى السلام وتعزيز التعاون مع العدو!

لذلك يقول في تصريحاته المسمومة الأخيرة : احضروا الخارطة وأعطونا حصتنا من الصفقة الأمريكية ولا ضير أن نعترف بإسرائيل دولة يهودية، ولليهود ، وماذا بعد؟ ثم يدعو عبد ربه إلى التخلي عن حق العودة ، وقبول " إسرائيل " كما تريد " إسرائيل " ، ودعا سابقاً لدولة فلسطينية مؤقتة ومنزوعة السلاح والسيادة والكرامة في آن : دول على صورته وشكله. وبدل أن يدافع عبد ربه عن حامل البندقية وعن حق الشعب الفلسطيني في وطنه ، كما يدعو القانون الدولي على الأقل، يقفز إلى تبني الرواية الصهيونية ويهدي صحفي إسرائيلي في " هارتس " خبراً يعمق فيه انقسام الفلسطينيين ويزيد من تردي أحوالهم ويبيع جلده للاحتلال.

العدو الصهيوني لا يتعب كثيراً في العثور على أصوات تشبه عبد ربه، فالأصوات الفلسطينية المعروضة للبيع جاهزة، ويقيم علاقة معها تشبه علاقة الأمريكي مع كلبه أو قطته، إذ تبدو إنسانية جداً، لكنها لن تمنع صاحب الكلب من توبيخه وتأديبه، وكلما كان الكلب مطيعاً يمنحه السيد كل الأوسمة ويرضى عليه.

( انتهى)

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

ملاحظات حول مقالة الزميل عطا مناع " هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات" ؟


خالد بركات*

* ناشط في حملة التضامن مع أحمد سعدات – امريكا الشمالية.

يثير الكاتب الفلسطيني والزميل الصحفي عطا مناع في مقالته المنشورة يوم 10 / اكتوبر على موقع اجراس العودة ، بعنوان " هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات " ؟ يثير اسئلة مهمة ومشروعة تولد من عنوان مقالته الرئيسي والذي جاء بدوره على شكل سؤال جارح.

ولا نختلف مع توصيف الزميل مناع لحالة التراجع العامة التي تبدو واضحة في المشهد الوطني الفلسطيني عموما والتي تمس اولا الحركة الاسيرة وقيادتها ، كما نؤكد على جوهر مقالته حول الاستهداف المستمر والمبيت للقائد احمد سعدات من قبل اجهزة الاحتلال الامنيه، قبل وبعد انتخابه لموقع الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقبل وبعد تنفيذ الجبهة حكم الشعب في الوزير العنصري رحبعام زئيفي وتقديم نموذج صارخ عن " ثقافة الراس بالراس" والتي ذكرها الزميل العزيز مناع. وهو محق.

حتى لا تكون " حملة للوداع " او اللطم !

حملة التضامن مع الامين العام يجب ان تكون حملة وطنيه من اجل الحركة الوطنيه الاسيرة وان كان رمزها هو القائد احمد سعدات . هذا يعني عملية لاستنهاض الحركة الجماهيرية والتي يمكنها وحدها نفض الغبار العالق على واقع الحركة الوطنيه الفلسطينية وحالة الرخاوة التي تعيشها. ويجب ان لا تظل عوائل الاسرى وحدها في هذه الطاحونة، ويلقى على كاهلها مهمة " تنظيم حملة " من اجل الاسرى.

ان التضامن مع الرفيق احمد سعدات ، هو بالضرورة ، موقفاً ضد سياسة التنسيق الامني مع العدو الصهيوني، اذ لا يمكن الفصل بينهما لاسباب معروفة للجميع. وهي حملة تدعو لعلاقات وطنيه نظيفة ، تقوم على الثقة والاحترام ، لا على الطعن في الظهر وثقافة كلب الحراسة. وهي حملة من اجل الاسرى المرضى واسرى العزل، وهي مدخلا طبيعيا لاستعادة مكانة الحركة الوطنيه الاسيرة وموقعها الطبيعي في ضمير شعبنا ( ليس في الوطن وحسب بل وفي الشتات ايضا ) وعليه ، يجب ان تكون حملة يومية واولوية ضاغطة على برنامج القوى الوطنيه داخل وخارج فلسطين المحتلة، خاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

تذكير لا تبرير

لا يوجد مبرر او عذر يمكن قبوله في عدم وجود حملة شعبية منظمة من اجل سعدات والاسرى على مستوى الوطن العربي والعالم ، يكون عنوانها الرئيسي : تحرير الاسرى الفلسطينيين والعرب من سجون العدو دون قيد او شرط. والعمل على منع السلطة الفلسطينية من ابتزاز الحركة الوطنيه الاسيرة على طاولة المفاوضات كما فعلت في العام 1994 ، ولكن هناك جهات بعينها تتحمل المسؤولية الاساسية عن هذا الواقع المتردي :

أولا: السلطة الفلسطينية التي قامت باختطافه واعتقاله ثم تسليمه للعدو.

حتى الان لم تجر محاسبة السلطة الفلسطينية ولا محاسبة من تورط في هذه الجريمة البشعة، خاصة المدعو توفيق الطيراوي وبعض رموز المخابرات الفلسطينية في الضفة ، التي تواطئت مع الاحتلال ودوائره الامنيه او" رضخت " للشروط وللاوامر الصهيونية. المطالبة بمحاسبة هؤلاء هو جزء من الحملة . اذ بدل ان تقوم سلطة اوسلو بالتكفير عن جريمتها وتدارك الامر من خلال دعم حملة وطنيه شاملة من اجل سعدات ورفاقه ( حتى لو تمثيل وكذب ، اليسوا فطاحل في الدجل؟ ) بدل ذلك ، امعنت سلطة العهر الشامل في منطقها المهزوم والقول للشعب الفلسطيني " نحن وفرنا الحماية لاحمد سعدات ورفاقه، ولولانا لكانوا الان في خبر كان " !

هكذا تريدنا السلطة الفلسطينية ان نقول لها شكراً جزيلا ، ان نقدم للطيراوي اسمى ايات الامتنان والشكر والعرفان؟

ثانيا: حالة الهلع التي خلقتها امريكا والغرب بعد احداث 11 ايلول/سيبتمبر ، والتي ترافقت وتلازمت زمنيا مع قضية سعدات واختطاف ابطال عملية 17 اكتوبر وتداعياتها. هذا الفضاء من الارهاب الامريكي الصهيوني لم يؤثر فقط على الفلسطينيين وحدهم ، بل طال حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني. خذ مثلا ادراج الجبهة الشعبية على ما يسمى قوائم الارهاب ، هذا الامر وحده جعل الناس تخلط الحابل بالنابل ، برغم عدم وجود قوانين تجرم من يتضامن مع انسان واسير يقبع في زنازين العزل وفي شروط تنافي ابسط الحقوق الانسانية ، الا ان هذا ( الاسير ) هو الامين العام للجبهة الشعبية المدرجة على تلك القوائم.

ثالثا: غياب الدور الفاعل لما يسمى مؤسسات حقوق الانسان، وعلى راسها مؤسسة الضمير لرعاية شؤون الاسرى داخل الوطن. فهذه المؤسسات ، نصفها فصائلي الطابع وبعضها " مملوك" لمؤسسة اوروبية، وتعتمد على الاجانب في تمويلها ، وبات بعض هؤلاء يرى في تبني حملة التضامن مع الرفيق سعدات ( بعبعا ) قد يهدد منحة مالية ، في قيمتها الحقيقة ، لا تسوى كرامة الحذاء الذي يلبسه لاجئ في مخيم الدهيشة.

صارت بعض هذه المؤسسات تختار اللغة المقبولة للغرب وهي تخاطب العالم عن قضية الاسرى، وهناك من ذهب الى ابعد من ذلك وهزم نفسه استباقيا. هذا الانفصال عن معنى ومبنى حركة التحرر ومفاهيم ومبادئ مشروع التحرير والالتزام الوطني، وهذا الانسلاخ المحسوب عن جسم الشارع ، والتعامل مع الحركة الاسيرة وكانها عبئ عليهم ، بينما العكس هو الصحيح، كل ذلك ساهم في هذا الخراب الذي تناوله الرفيق مناع في مقالته الجريئة.

رابعا: طريقة وهندسة احتجازه في سجن اريحا على يد الطاقم الامني الامريكي والبريطاني ، ساهم ذلك في تشويش واهتزاز العديد من المواقف والتدابير اللازمة ، عداك عن " الفرملة الذاتية " والتي كانت تحدث احيانا بطلب من الامين العام نفسه ، على قاعدة نكران الذات، و" الوضع المريح " قياسا بتجاربه الاعتقالية السابقة والراهنة ، وهي فترة لم تكن قصيرة بل امتدت لاربعة سنوات.

مع ذلك ، من يتابع حملة التضامن مع الرفيق الامين العام والاسرى يلمس انها في حالة تقدم برغم كل المعيقات وان نشاط الحملة في تزايد داخل الوطن وفي الشتات، وهذا ما يجب الانتباه له وتطويره ودفعه قدما الى الامام. ان غياب الاعلام المؤثر والتقصير الذاتي ونواقص واشكالات العمل وغيرها حالت دون انطلاقة قوية ومثابرة لحملة التضامن مع الامين العام والاسرى.

واخيرا، بقدر ما نحي قلم الزميل العزيز عطا مناع ، فاننا في الوقت ذاته ندعو الى المزيد من العمل ومن تفاؤل الثوريين الجبهاويين. ان العدو الصهيوني يريده في زنزانة معزولة عن الكون والى الابد . لذلك ، نقول: حملة التضامن مع الامين العام تبدأ بزيارة اسير محرر ، وتوزيع بوستر يحمل صورته ، والمشاركة في اعتصام ، وتنظيم مسيرة جماهيرية ، وتنشيط حركة تضامنيه في الخارج ، ولا تنهي بالعمل الشعبي المقاوم ، الى ان يقول سلاح الجبهة الشعبية والمقاومة، او سلاح العدو ، كلمة الفصل.

----------------------------------------------------------------------------------------------------

مقالة الكاتب الصحفي عطا مناع:

هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات؟؟

بقلم-عطا مناع


مع كل الاعتذار للحملة التضامنية مع القائد الفلسطيني الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات وكل محبي هذا القائد الذي خرج علينا في زمن نصب المقصلة للوطنيين الفلسطينيين الذين وقفوا في وجه العاصفة، ومع كل للجهود الجبارة التي عقدت العزم على رفع الصوت في زمن الصمت الفلسطيني الذي يتحمل المسئولية الكاملة لكل ما جرى ويجري لقادة العمل الوطني الفلسطيني وعلى رأسهم احمد سعدات الذي يدفع ثمن ضعفنا وهزيمتنا الداخلية وبدون استثناء سوى الذين لم يتقاعسوا يوماً عن طرح الحقيقة كل الحقيقة في مرحلة غيبت فيها الحقيقة التي يراها الشعب كل الشعب سوى القلة التي ارتهنت لمصالحها.


أنه اللجام الذي يقيدنا ليحولنا إلى مجرد كورس في لعبة صندوق العجب الفلسطيني، لدرجة إننا ارتضينا لأنفسنا أن ننسى البداية والنهاية ونسلم بالأمر الواقع رغم إدراكنا الأكيد أن ما تعرض ويتعرض له احمد سعدات يعكس ملهاة فلسطينية زجت به إلى المجهول دون أن يرف لهم جفن سوى بعض الحركات البهلوانية التي تابعها الشعب الفلسطيني يوم حجزه في مقاطعة رام الله مع رفاقه ، وبعدها نقلة إلى سجن أريحا ضمن صفقة فلسطينية أمريكية إسرائيلية بحراسة أمريكية بريطانية لتكتمل الدائرة بانسحاب الحراس الأمريكيين والبريطانيين وهدم سجن أريحا على رؤوس من فيه لنرى احمد سعدات في قبضة دولة الاحتلال الإسرائيلي.


يومها تابعنا بعادية اقتراب الجرافة من الجدار الأخير والقائد الأخير، كنا نستمع إلى صوت احمد سعدات الذي جاءنا عبر الفضائيات، كان الرجل صلباً ممسكاً بزمام الأمور، وكنا نحن والفضائيات ننتظر لحظة الخلاص لنسجل بطلا أخر نعزي به ضعفنا وخيانتنا له، لذلك جاءت الأسئلة واضحة محرضة للصامدون خلف الجدار بالمقاومة حتى الموت رغم أنهم لا يملكون سوى عزمهم على الصمود وكتبة سطراً جديداً في التاريخ الفلسطيني وللأجيال القادمة التي ستقرأ يوماً الحكاية التي تقول أن الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقف في وجه العاصفة ولقن العالم ومن ساوموا عليه درساً سيفهمونه ولو بعد حين.


هي مرحلة لا زالت رائحتها تنبعث رغم حالة الهروب من الحتمية التي قادوا الرجل لها، حتمية عرفوها كلهم وظلوا صامتين على المأساة التي عاشها الرجل لتتوج بزجه في العزل الانفرادي وإخضاعه للموت البطيء دون أن يحرك الشعب والقيادة ساكنا سوى بعض الأصوات المكبوتة عن بعض رفاقه الذين أدركوا أكثر من غيرهم اقتراب الخطر من الأمين العام الذي تجاوز أل 500 في زنزانة الموت البطيء مما يدفعنا لدق جدران الخزان والعمل على استمرارية الحملة لتأخذ البعد الجماهيري وفرض أجندتها على القوى الوطنية الفلسطينية والعربية والاستيعاض عن شعار التضامن بشعار الإنقاذ، لان الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يتعرض لخطر التصفية الجسدية وليس للعزل فقط، هذا العزل الذي يشكل مقدمة للتصفية التي نقترب منها كل يوم.


أن اقتصار حملة التضامن مع الأمين العام احمد سعدات على رفاقه أو بعض رفاقه ومحبيه يعطي إشارات مخيفة سنلمس تداعياتها على المدى القريب، فدولة الاحتلال فالأمن الإسرائيلي يتابع ويراقب الفعاليات التضامنية في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية والشتات، ويخضع هذه الفعاليات للدراسة والتحليل، فالأمين العام للجبهة الشعبية ليست بالشخصية العابرة بالنسبة للشاباك الإسرائيلي، فهو الذي حطم نظرية الآمن الإسرائيلي عندما قال الرأس بالرأس رداً على اغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام السابق، مما أدى إلى بعثر الأوراق الأمنية لدي الشاباك الإسرائيلي واسقط الكثير وأسس لثقافة جديدة على الساحة الفلسطينية قد تكون عملية اسر الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط إحدى أوجهها.


أن ما يتعرض له الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليس طارئا، إنها الحرب على ثقافة المقاومة وبتحديد أكثر ثقافة الرأس بالرأس التي أطلقها احمد سعدات عندما انتخب أمينا عادا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المعروف تاريخيا لدى الأمن الإسرائيلي، فاحمد سعدات الرجل الهادئ قضى جل سنوات عمرة في الاختفاء، وهو الرجل الذي حطم الجليد الذي يغلف ثقافتنا في زمن الهبوط والرحيل عن الوطن، هم يعرفون أن سعدات ليس رجل هذا الزمان، وهذا الزمان ليس لسعدات، وهم يدركون الخطر الذي يمثله سعدات حتى وهو في زنزانته.


لقد قال سعدات كلمته ومضى، وكان يدرك تماما حجم الاستحقاق وثقل الصخرة التي ستلازمه بقية حياته، فهو الرجل الذي وقف على رأس المدرسة الايثارية والتضحوية، وكأنه أراد أن يقول لقتلة أبو علي مصطفي ومن اثروا الصمت وعقد الصفقات أنا الرجل الذي حملت هموم المسحوقين على كتفي وخرجت من عريني لأكتب تاريخكم بوجعي، كأنة أراد أن يقول لنا انظروا في وجهي وامنعوا يا أيها العمى الصامتون، وانظروا واستبشروا الحتمية فانا احمل في قلبي الحكيم ووديع وغسان وأبو علي مصطفي، هذا الإرث المنبعث من تحت الرماد الذي يرفض ثقافة موت الثقافة والتنكر لأبجدية التبشير بالهدف.


قد تتداخل الكلمات ما بين السياسي والفكري والأيدلوجي، وقد نفقد ناصية الفكرة ونحن في حضرة الأمين العام، فهذا مقبول ومشروع، لأننا ليس أمام رجل عابر، ولا نمارس النرجسية الفكرية، نحن أمام الحقيقة الوحيدة في زمننا الصعب، حقيقة أن القائد الفلسطيني احمد سعدات وبرغم الإسقاطات الداخلية المخجلة يتصدر المشهد ويطغى على الحضور، وان القائد احمد سعدات يذكرنا بعرينا وانغماسنا في الرذيلة إلى أنوفنا، وهذا مكمن الخطر عندما نحاول أن الولوج إلى حقائق الأمور، فنصفنا يريد يرى سعدات بطلاً ولكن تحت الأرض، وما تبقى منا يرى أن يتخلص من العار الذي الحق سعدات به، فحقيقة أنهم رموا سعدات مقيداً في العزل ستلاحقهم دون هوادة.


لكن الحقيقة المرعبة رأيتها عندما دعيت لحضور فعالية تضامنية مع احمد سعدات في مخيم الدهيشة وبالتحديد في قاعة اكبر مؤسسة في المخيم، لا أريد أن أقول الأعرق لان الأعرق كانت عبارة عن غرفة وكالة نشطت فيها لجان المخيم في زمن العز والزمن الصعب، كانت الفعالية تتمثل بعرض فيلم عن القائد سعدات، وللأسف كان الحضور إضافة إلينا نحن الصحفيين لا يتجاوز أصابع اليد، هذا المشهد ألقى بظلاله على الحضور الذين التزموا الصمت ومتابعة النشاط التضامني إلى نهايته دون أن يطرحوا التساؤلات عن السبب بعيداً عن النتيجة.

لقد نادت صحيفة الهدف الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي قادها الشهيد غسان كنفاني بشعار الحقيقة كل الحقيقة للجماهير،وبلا شك فان طرح الحقيقة للشعب الفلسطيني هي مهمة الحملة التضامنية ومن يقف على رأس الحملة التضامنية مع احمد سعدات، وخاصة أن الرجل في خطر، علينا أن نوى هذه الحقيقة التي لا نستطيع أن نختفي وراء أصابعنا لعدم مشاهدتها.


احمد سعدات في خطر، والمهتمون بأحمد سعدات يعرفون ذلك تمام المعرفة، ومن واجبهم وحق الشعب الفلسطيني عليهم أن يضعوا كل الأوراق بين يدي الناس، لا أن ينظروا اللحظة، فمن غير المعقول الانسياق وراء مقولة أن سعدات في العزل كعقاب، العزل بداية الاغتيال، والحكم على أبو غسان لم يكن 35 عاماً، لقد حكموا على الأمين العام عندما نادى بثقافة الرأس بالرأس التي أسقطت الورقة وأظهرت العري الحقيقي لمرحلة وصمت بالهبوط.


السؤال المزعج، هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات، أميل عاطفيا لعدم التعاطي مع هذه الفكرة، لكن الوقائع الميدانية المحسوسة تؤكد أن الحملة ليس شاملة، ليس لتقصير من الذين يقفون على رأسها، وإنما هي إدارة الظهر من الذين يتربعون على المشهد الفلسطيني ويتحكمون بالبلاد ورقاب العباد.