الجمعة، 30 أكتوبر 2015

تيدكس " الشجاعية" بنكهة المال الكمبرادوري


أيمن أنور

أطُلقت أمس في قطاع غزة النسخة الفلسطينية "تيدكس"  (TEDx)  من البرنامج الشهير " TED" الهادف لنشر الأفكار الجديدة والمتميزة للعالم، والتي ترعاها مؤسسة ( سابلينج) الأمريكية، وهي كما تعرف عن نفسها مؤسسة مستقلة غير ربحية تطرح شعار " أفكار تستحق الانتشار". ومن خلال هذا البرنامج تفرعت برامج في مختلف بلدان ومدن العالم.
يمكن اعتبار هذا البرنامج المثير للجدل أنه احدى فضاءات الإعلام الجديد الذي يستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة، الذي تم توجيهه للعالم أوائل التسعينيات وما زال مستمراً حتى اللحظة من أجل كسر الصورة النمطية للمفاهيم الإنسانية والأفكار المختلفة، وتداولها عبر إتاحة الفرصة لمجموعة من الشباب وأصحاب المواهب والأفكار الإبداعية ليعرضوا أفكارهم الجديدة والمثيرة للاهتمام خلال توقيت معين، بشكل لا يتم فيه تجاوز قوانين ومبادئ وضعها القائمون على البرنامج.

أطلق المنظمون الشباب في قطاع غزة اسم " الشجاعية" على البرنامج لسبب رمزيتها، وصمودها أمام الاحتلال في العدوان الأخير. كما أشاروا إلى المؤسسة الراعية والممولة لهذا المشروع وهي مؤسسة " منيب رشيد المصري" للتنمية، ومؤسسات محلية أخرى، ما يجيب عن التساؤلات عن أسباب التكلفة الباهظة لهذا الحدث، واستخدام التقنيات العالية، ومكان إقامة الحدث، والطواقم التي شًكلت لانجازه.

عّرف المشاركون عن أنفسهم أنهم مجموعة من الشابات والشباب من مناطق مختلفة بالقطاع ذو تخصصات وميول وأفكار مختلفة، وقرروا خوض هذا الحدث من أجل إيصال صوت فلسطين للعالم الخارجي عبر  قنوات " تيد" العالمية، وقد تكّون فريق العمل من 8 شابات وشاب، وحوالي 30 متطوعاً.
لماذا لم يعلن منظمو هذا الحدث على العلن شروط الترخيص الذي بموجبه وافق برنامج " تيد" على منحهم حق العمل بالاسم في القطاع، علماً أن هناك معايير وقوانين وشروط معينة لهذا البرنامج، قد لا تتفق مع الحد الأدنى من مواقفنا ومبادئنا كفلسطينيين، وهناك بعض الشروط التي لا يمكن قبولها أصلاً. كما وأن البرنامج الشهير لديه قائمة طويلة من المصطلحات يشترط استخدامها، وجرى رسملتها ولا يمكن لأي أحد أن يتجاوزها باعتبارها مبادئ أساسية لعمل البرنامج. وللصراع الفلسطيني – الصهيوني مصطلحات خاصة لهذا البرنامج يجب استخدامها، لا يمكن تفسيرها إلا أنها ترويج لمبادئ السلام، وتذويب مصطلحات الهوية الوطنية الفلسطينية عبر مصطلحات جرى تحويرها لتكون جزءاً من مفاهيم واقعية تعطي الاحتلال ذات الشرعية التي تعطيها لشعبنا الفلسطيني.
صحيح أن البرنامج يقبل مساهمات تحمل عناوين وقصص المعاناة التي سببها الاحتلال والحصار والعدوان فضلاً عن قصص النجاحات وموضوعات أخرى بعيدة عن السياسة، إلا أن لديه معايير معينة يجب ألا يتخطاها المساهم، ومن أجل ذلك للبرنامج الحرية المطلقة في حذف وتعديل وإضافة ما يراه مناسباً.
ومن أجل الشفافية وتوضيح فكرة تنفيذ البرنامج في القطاع، كان يجب على المنظمين الكشف عن تفاصيل وشروط تمويل مؤسسة " منيب المصري" للتنمية، ومؤسسات أخرى لهذا المشروع؛ فالمؤسسة الراعية والممولة لهذا المشروع بطبيعتها تتعامل مع هذه المشاريع والبرامج كاستثمار يعود لها بالأرباح والفوائد، ناهيك عن الأهداف الخبيثة التي يسعى من خلالها كمبرادور المال " منيب المصري" من السيطرة على الأجيال الشابة، وتدجينهم وتجنيدهم للعمل وفق منظومته الاقتصادية والسياسية، من خلال إغراءات بالمال والوظائف والسفريات والمشاركة في المؤتمرات الدولية المستهدفة والتي بغالبيتها تحمل طابعاً مناقضاً وعدائياً لبرنامجنا الوطني الفلسطيني.
لا يعي منظمو هذا الحدث أن طموحهم العالي ورغبتهم في الشهرة والنفوذ والقبول بالمال المشروط قد حوّل مشروعهم والأفكار والقصص والمساهمات المعروضة فيه إلى مجرد ماركة تجارية مسجلة باسم " منيب المصري" ومؤسسته المشبوهة، والتي تعمل منذ سنوات طويلة على اختراق المجتمع الفلسطيني، وخاصة الجيل الشاب عبر برامج ومغريات خبيثة، مستغلين طموحهم العالي، وإيقاعهم في براثن هذه المشاريع الهادفة بمجملها إلى كي الوعي، وتحويّل إمكانيات وعقول وإبداع شبابنا إلى مجرد بضاعة يتاجر بها منيب المصري  وحاشيته.
لسنا ضد أي برنامج يحاول نقل رسالتنا وإبداعاتنا وأفكارنا التي تستحق الانتشار للعالم أجمع، لكن لا يمكن أن يتم تحويل الواقع الفلسطيني الحالي بتجلياته ومعانياته في القطاع إلى مجرد مشروع ممول يسعى له مجموعة من الشابات والشباب النخُب، وهذا الفرق بين السعي فعلاً لنقل صورة ما يجري في القطاع من وجهة النظر الفلسطينية والذي نحافظ خلاله على الرواية الفلسطينية الكاملة، وبين مجرد مشروع قدُم من خلال "بربوزل" على جهات ممولة مشكوك في وطنيتها ستقبل بالتأكيد تمويل هذا المشروع، ولكن وفق رؤيتها وأهدافها.

القائمون على المشروع من بيئة نخبوية بامتياز، ومن طبقة معينة ( المثقفون، والصحافيون، والأكاديميون، والباحثون أصحاب الشهادات العالية، والمترجمون، أبناء قيادات فلسطينية بارزة)، أنا لا أقلل منهم ومن تجاربهم وخبراتهم وثقافتهم وتحصيلهم العلمي، ولكن هذه التركيبة عامل إضعاف للرواية الفلسطينية، فمن الطبيعي أن يثري مثل هذا البرنامج ويقدم الأفكار الإبداعية، ويساهم في نقل صورة المعاناة والصورة النمطية الموجودة في القطاع بشكل دقيق أمام الكاميرات هو المواطن البسيط، ابن المخيم، الأم الفلسطينية، العامل، وحتى المقاتل الفلسطيني. هل تستطيعون مثلاً نقل صورة الأخير وتجربته النضالية في احدى المعارك مع الاحتلال من خلال تيدكس الشجاعية؟ .

هل تعلمون من هو منيب المصري، الذي هبط علينا بالباراشوت المالي المريب ليكون أحد أهم الشخصيات الكمبرادورية القذرة التي طغت ونهبت وسيطرت على الرأسمال الفلسطيني عقب التوقيع على اتفاقية أوسلو المشئومة، من خلال شركاته المتعددة خاصة " باديكو" القابضة التي تعتبر أكبر تجمع لعصابة كمبرادورية في فلسطين، والتي من خلالها طبخت الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع الاحتلال، والاتفاقيات التجارية مع تجار المستوطنات ومن بينهم شريكه الصهيوني " رامي ليفي"، وتحت إشراف مستشار إبليس ربيبته " سمير حليلة" مدير عام شركة " باديكو" القابضة، والذي مهمته الأساسية إيقاع الشخصيات الكبرى والشباب والطلاب في براثن امبراطورية " منيب المصري"، ومن خلفهم صبي منيب المصري وصباب القهوة " رامي الحمدالله" الأكاديمي المعروف ورئيس وزراء حكومة أوسلو الحالي.
" سمير حليلة" هو الذي اشترى آلاف الدونمات بثمن بخس من أبناء القرى المساكين في الضفة، وباعها للرأسمالي القطري بأضعاف أثمانها وربح منها  ملايين الدولارات. وهو الذي تقلد منصب أمين عام مجلس الوزراء فترة " أحمد قريع" وهو عدا عن كونه رأس الهرم في الفساد، فإنه مطبّع من الدرجة الأولى، وقد تورط في بيع أراضي فلسطينية للصهاينة الذين بنوا عليها " مستوطنة معالي أدوميم".
منيب المصري وعائلته والأشخاص المقربين منه، هم وباء قاتل معدي يلوث كل من يقترب منهم أو يتبنى برامجهم أو يقبل تمويلهم، هم مافيات في عالم المال، ومتعاونون مع الاحتلال الصهيوني في السياسة والاقتصاد، وشركاء للمستوطنين في بضاعتهم وتجارتهم، وللأسف يتم التعامل معهم من قبل القوى والأحزاب الفلسطينية بأنهم شخصيات وطنية، وحتى في غزة تستقبلهم حكومة الأمر الواقع بالأحضان!
صبيح المصري ابن عم منيب المصري هو الممول الوحيد للقوات الأمريكية من غذاء ولوجستيات خاصة أثناء حربها في العراق، والتي تربحّ منها ملايين الدولارات على أنقاض مدننا العربية، وجثث أطفالنا.

إذن، هذا هو سقف برنامج " تيديكس الشجاعية" والذي بموجبه وافق المنظمون على قبول تمويل مشروط من مؤسسة منيب المصري رغم كل الجرائم التي ترتكبها هذه المؤسسة.
كيف نصدق تحويّل صحافي بيزنس هذا البرنامج إلى فيلم تراجيدي محزن يذرف من خلاله دموع التماسيح وهو يستعرض تجربته الصحافية أثناء الحرب على غزة، وهو الشخص ذاته الذي غطى العدوان على ليبيا بالرواية الأمريكية والصهيوخليجية طمعاً في المال.
التجارة بالقضية الفلسطينية من خلال تسويقها باللكنة الإنجليزية وبالمال السياسي الكمبرادوري، لا يصنع إلا شخصيات انتهازية، يتم تدجينها للقبول بأي شيء هابط. ولنا الكثير من الأمثلة والتجارب والشخصيات المتحّولة في هذا الموضوع. وهنا نفرق بين الكثير من المجموعات الفلسطينية التي تنقل الحقيقة للعالم اجمع عبر ترجمتها بلغات مختلفة.
تستطيع صفحة "يوتيوب" صغيرة تنقل بشكل ميداني صورة الأوضاع في غزة نقلاً عن أبطالها الحقيقيين أن تخترق العالم كله، وتعطي صورة حقيقية واضحة عن الرواية الفلسطينية، دون تكلفة، أو تمويل من أي مؤسسة.
نجدد مرة أخرى تساؤلنا، هل القائمون على " تيدكس الشجاعية" على استعداد لنشر وثائق الترخيص مع شركة تيد الأم، وشروط اتفاقية التمويل مع مؤسسة الكمبرادور منيب المصري؟.


الخميس، 9 أبريل 2015

سفراء سلطة الفساد، سلمان الهرفي نموذجاً (1)


أيمن أنور

اختيار وتعيين سفراء الدول من المفترض ان يخضع لشروط خاصة ومواصفات معينة تتوفر فيها درجة عالية من الأمانة، والشفافية، والثقافة، والمصداقية، والكفاءة، أن يكون خادماً لشعبه ومطالبه باعتباره رسولاً مكلفاً باسمهم، فكيف اذا كان الحديث هنا يجري عن شعب فلسطين الذي لم يحقق دولته بعد ولا يزال يعيش مرحلة تحرر وطني كما هو حال شعبنا، فكيف هو حال سفراء "حكومتنا"؟.


وبات من المعروف أن سفارات السلطة الفلسطينية أقرب إلى الشركات منها إلى مؤسسات وطنية محترمة، إنها بيت طاعة يجري فيها تعيين السفير بامتحان الولاء وقبول شروط تنسجم ونهج القيادة المتنفذة في منظمة التحرير وترويج برنامج التسوية. سفارات / شركات يتحّول فيها السفير/ة إلى مجرد بوق للسلطة الفلسطينية .


ومن الطبيعي أن تفرز هذه التوزيعة سفراء من ذوي السوابق، مثل السفير سلمان الهرفي ، أبرز من لديهم ملفات فساد مالي وأخلاقي قبل التحاقهم بالسفارة، بمعنى أنك لو أردت أن تكون سفيراً لدى السلطة في أي دولة في العالم يجب أن تكون إنسان "بصيم"، و جارسون للوزير رياض المالكي وولي نعمته حتى تكسب ثقة السيد الأمريكي. مطلوب أن تحفظ ترنيمات السلام الصهيوني وتعويذات الحياة مفاوضات، وعلى دراية واسعة بطرق التهريب، والنصب، والاحتيال والدجل وتجارة السلاح والمخدرات والحشيش.
  
ملف سفير محمود عباس في تونس " سليمان الهرفي" والذي يقود السفارة هناك بمنطق العصابة وحولّها إلى عزبة ودكانة خاصة به، يتعامل مع نفسه بأنه ممثل لشخص محمود عباس وناطقاً رسمياً باسمه وليس سفيراً باسم الشعب الفلسطيني، فنان في المراوغة، والكذب، والاحتيال.. أستاذ في اتقان لغة اليورو والدولار. يتورط في توزيع مقاعد المنح الدراسية حسب أهوائه ومحسوبياته.. ويتخلى عن اللاجئين الفلسطينيين المشردين من ليبيا الذين هربوا الى تونس، بل وضرب العديد منهم في داخل السفارة.
من حق شعبنا أن يعرف أن السفير سلمان الهرفي هو سارق ونهب مئات آلاف الدولارات من مال مؤسسة "صامد" ومشاريعها. نتحدى السفير "الهرفي" أن يكشف للناس حسابه البنكي، كم يملك من المال في حسابات خاصة له في أوروبا وأمريكا ؟ ومن أين حصل عليه وهو يعمل موظفاً في منظمة التحرير الفلسطينية طيلة الـ 50 سنة الماضية تقريباً؟ كيف صنع ثروته؟ الهرفي مسئول عام ومن حق الناس جميعاً أن تسأله، وعليه أن يجيب.

أسئلة كثيرة يجب أن يجيب عليها السفير المثير للجدل والاشمئزاز : هل تعاون السفير "الهرفي" مع عصابات صهيونية وأجنبية في أفريقيا لتهريب الماس بالحقائب الدبلوماسية وبيعه في بلجيكا؟ هل ينكر ذلك؟ ماذا عن سمسرة المنح والمقاعد الدراسية للطلبة الفلسطينيين في تونس حسب أهوائه الشخصية؟ ماذا عن العديد من حالات الاختلاس التي كُشف النقاب عنها؟ كيف كانت طبيعة العلاقة بينه وبين عميل الموساد عدنان ياسين مدير مكتب عرفات في تونس؟ ما هو سر العداء بينه وبين رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فارق القدومي؟ ما الذي يعرفه وكشفه عنه الأخير؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الهرفي وبين أبناء أبو مازن؟!.

هذا السفير الفاسد لن يجيب على سؤال واحد من الأسئلة أعلاه . ولكن سنواصل فتح ملفات الفساد الشامل في سفارات "محمود عباس"، ونلاحق جميع السفراء الفاسدين، ولا يمكن أن نصمت على جرائمهم بحق قضيتنا الفلسطينية. إن السفير الهرفي ارتكب جرائم تستوجب محاسبته، تشكيل لجنة تحقيق على الأقل تفتح ملفاته، لكن من يفعلها؟ وزير الخارجية المزيف أم رئيس السلطة الذي يغطيه؟ والفاقد للشرعية أصلاً؟ .. لن يفلت الهرفي من المحاسبة والعقاب. وشعبنا لن ينسَ، لأن الجرائم لا تسقط بالتقادم !


10/4/2015

الأحد، 15 فبراير 2015

الاغتصاب الفكري لأشباه المثقفين الفلسطينيين


أيمن أنور
مما لاشك فيه أن التطور التكنولوجي الحديث، وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة أفقد وسائل الثقافة التقليدية بريقها، وقد كان لاتفاقية أوسلو ومؤسساتها المعنية بالثقافة والتعليم سبباً إضافياً في تدهور الوضع الثقافي بالأراضي الفلسطينية، وطمس الهوية الفلسطينية، وفي تنامي ظاهرة سرقة أعمال فكرية. وقد نستنتج ذلك من خلال مطالعتنا على موازنة السلطة السنوية، والتي تعطي فيها أكثر من 50% للأمن، مقابل أقل من 10% للثقافة والتربية والتعليم.
وقد لعبت وزارة التربية والتعليم العالي والجامعات دوراً كبيراً في حالة التدهور، لعدم بلورتها خطة وطنية ملائمة للوضع الراهن، وعدم اعتمادها على وسائل رقابية للأعمال الفكرية المنشورة، والاهتمام بالكم لا الكيف في اختيار الطلبة وعرض التخصصات، مما أحدث فوضى في المسيرة التعليمية، أثرت بشكل كبير على المستوى الثقافي والمعرفي، وإلى تدني مستوى المشاركة الفاعلة  المجتمعية لفئات الشباب خصوصاً في الجانب الثقافي، نتيجة جهلهم بالوسائل المشروعة للبحث عن المعرفة، والاستفادة منها بعيداً عن السرقة الفكرية والتي أصبحت فوبيا ومهنة وتخصص للكثيرين، حتى أن المكتبات الفلسطينية تحوّلت إلى سوبرماركت وبازار لعرض السلع والمنتوجات ( أبحاث جاهزة) للطلاب بأسعار مختلفة وحسب التخصصات، وهو الأمر الذي أدى إلى تدمير ممنهج للشباب وجهلهم بوسائل البحث العلمي، أو الاستفادة من التجربة العملية في الجامعات والكليات لتعزيز الثقافة واكتساب الخبرة التي يمكن أن تساعده في حياته العملية القادمة.
وعلى الرغم أن قانون المطبوعات والنشر للسلطة عام 1995 يشدد في جوهره على حرمة السرقة الفكرية، ويعتبرها مخالفة للقانون، ويعاقب بالحبس أو الغرامة كل من يرتكب هذه المخالفة، إلا أنها لم تكن رادعة في يوم من الأيام، وانتقلت الفوضى الثقافية إلى نوع من الاغتصاب الفكري على عينك يا تاجر، وظهور أشباه المثقفين الفلسطينيين يتاجرون بأفكارهم المسروقة في مجالات مختلفة، خصوصاً في الصحافة.
   إن ذلك قد حولّ المجتمع الفلسطيني من مجتمع واعٍ ومدرك ومثقف ومؤثر ومنتج، إلى مجتمع مفرغ عدمي ثرثار، لا يدافع عن فكرة مبدئية عامة، أو ثقافة الهوية الوطنية الفلسطينية، بل عن شخصه، وفئويته، ويحاول ترقيع عيوب المسئول وأخطائه.
في هذا السياق، سأعرض لكم حالة من أشباه المثقفين الفلسطينيين، الذين يمارسون اغتصاباً وسرقة فكرية،  ليس من باب فضحه أو تشويهه، ولكن لاستخلاص العبر، وعدم استخدام السرقة الفكرية في التحريض على فصائل العمل الوطني، وفي المتاجرة بموقفه وموقف السلطة .
هذا الشخص ينتمى إلى المدرسة الانتهازية السلطوية، وهو يعرض نفسه بأنه صحفي وخبير متخصص في الصحافة وشئون التنظيمات، اعتاد على التحريض وتشويه الحقائق من خلال سرقات فكرية بالجملة دون خجل، وفي أحيان كثيرة يسرق المقالة كاملة ويغير فقط العنوان، ويضيف من عنده بعض العبارات الشاذة متسلحاً بدفاعه المستميت عن السلطة، والسؤال أين الرقابة على هكذا أشخاص. وهل هناك رقابة حقيقية ومسئولة من المواقع الالكترونية والوكالات فيما يتم نشره؟ .  إن من يقدم على هذه السرقة سيكون جاهز يوماً ما لخيانة الوطن.
ونرفق لكم جانب من السرقات الأدبية التي واظب عليها هذا الشخص، وهي للعلم منتقاة من سرقة مجموعة أدبية كاملة لكتاب وصحافيين تتجاوز 35 مقالة وتقرير.
1)    المقالة المسروقة بعنوان ( ورقة سرية للغاية)، نشرت بتاريخ 27/3/2015. ونشرها مرة أخرى بعنوان (أيها المتربصون: حركة فتح لا تقبل أن تتوضاً بماء نجس) بتاريخ 23/12/2014. المقالة الأصلية بعنوان ( وصية المشنوق أعلاه) للمعارض المصري أيمن نور نشرت بتاريخ 17-10-2011.
2)     المقالة المسروقة بعنوان ( كيف سيواجه العرب الإرهاب وهم جزء أساسي من صناعته؟) نشرت بتاريخ 15/2/2015. المقالة الأصلية بعنوان ( صناعة الإرهاب – لا صناعة الاستقراء) نشرت بتاريخ 13-2-2015 للكاتب السعودي يوسف الكوليت.
3)    المقالة المسروقة بعنوان ( الأردن ستنتقم) نُشرت بتاريخ 4/2/2015، التقرير الأصلي بعنوان ( من الممكن أن يواجهوا عقوبة الإعدام.إحالة أربعة جنود أمريكيين إلى القضاء بتهمة الاعتداء على عراقية)، تقرير نشُر بصحيفة المدى بتاريخ 4/5/2007.
4)    المقالة المسروقة بعنوان ( لا تحرموا أنفسكم من الحب) نُشرت بتاريخ 11/2/2015، المقالة الأصلية بعنوان ( تبحث عن الحب – أم يبحث عنك؟) للكاتب ماضي الخميسي نُشرت بتاريخ 25/12/2008 في جريدة الرياض.

الملفت أن هذا المغتصب الفكري  يستفيد من الجمل المسروقة في مقالات جديدة  على سبيل المثال لا الحصر (مقالة وصيتي الأخيرة) نشرت بتاريخ 26/6/2013، ونشرت قبل ذلك بتاريخ 14/2/2014 بعنوان (عملاق فاطس).

الجمعة، 13 فبراير 2015

إطلالة على حالة اللاوعي السياسية والثقافية والأخلاقية في حركة فتح


أيمن أنور

لم أود أن أصل لمستوى الردود الهابطة والسخيفة التي رأيناها خلال الأيام السابقة لكوادر رسمية أو غير رسمية في حركة فتح (حزب السلطة)، وخصوصاً الناطقين الرسميين باسمها، وبعض أشباه الصحافيين. ما عزز داخلي من قناعة بأهمية الرد على هذه الترهات هو مقالة "ساهر الأقرع"، والتي جاءت بعنوان( من أمام مقر الصليب الأحمر بدأت رياح السموم تهب) أضحكتني المقالة جداً وبقدر أنها تصلح للانطلاق من خلالها لتوصيف دقيق لحالة أعضاء حركة فتح هذه الأيام، بقدر أنها فرصة لإعطاء دروس في الالتزام بالأخلاق، والتوعية السياسية، والأمانة الفكرية للعناصر المشبعة بهواء أوسلو المسموم، والتي ورثت عن السلطة عقلية فراغية وعدمية لا تقبل بالآخر.

مما لاشك فيه أن سرقة إنتاج فكري هي جريمة كبرى، وها هو السيد الأقرع الذي يصف نفسه بأنه من أبرز الإعلاميين الفلسطينيين في قطاع غزة!!، ويعمل في وسائل إعلام مختلفة فلسطينية، وعربية، وعالمية ( ما شاء الله!!!)، والذي يصف نفسه خبيراً في الشأن الفلسطيني وشئون المنظمات الفلسطينية والتحليلات الخاصة بالشأن السياسي الفلسطيني ( اللهم لا حسد)، قد ارتكب من جديد جناية جديدة وهي سرقة مقالة بعنوان ( حياتنا - هبت رياح الاعتراف)، للكاتب حافظ البرغوثي نُشرت بتاريخ 4/12 بالعدد رقم 6847 في صحيفة الحياة الجديدة لمن يريد الإطلاع عليها.
لم يتعب نفسه الأقرع حتى بمحاولة تغيير العبارات أو سرقة الفكرة والاستفادة منها، ومارس هوايته في نقل المقالة بالكامل، وهذا يشير إلى مستوى عالٍ من الحرفية اللصوصية تحسب له، وترشحه لرئاسة نادي "اللطش الفكري" لسنوات طويلة.
رغم أهمية كشف حقيقة الأقرع وسرقاته الفكرية واستخدامه لها للتهجم على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلا أن الهدف الأساسي من المقالة هو توجيه رسالة لكل فتحاوي فاته القطار الوطني، أو ضل الطريق، وخاصة الناطقين باسم فتح عساف والقواسمي وذاك الصحافي " توماس فريدمان فتح" صاحب فوبيا استقاء الموقف من  مصادر كثيرة بوزن رداحات.
لا أريد أن أعزل ما حدث في الصليب وقيام كوادر من الشعبية وحملة التضامن مع القائد أحمد سعدات بانتقاد صريح لمحمود عباس، عن الانتقاد الصريح الذي شنه عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية د.رباح مهنا لعزام الأحمد واتهامه بتعطيل قدوم الوفد الفلسطيني إلى القطاع، بناءً على معلومات أكيدة، لأن الموقف واحد وهو بالمناسبة يعبر عن قناعات غالبية الشعب الفلسطيني، إلا فئة قليلة ارتضت على نفسها أن تبقى أسيرة ومغيبة وفاقدة الوعي، والحس الوطني، ولا تستطيع إدراك اللحظة وحقيقتها، والتغيرات الحاصلة فيها، والمواقف السياسية المطلوب صياغتها. كما أنصح الأقرع بالالتحاق في معهد لتعلم دروس اللغة العربية،  واللجوء لطبيب نفسي لحل إشكالية فوبيا سرقة المقالات لديه، أدعو عناصر حركة فتح إلى التركيز مباشرة على القضايا السياسية الراهنة والوضع الراهن أكثر من الدفاع المستميت عن موقف السلطة وقيادة أوسلو.  والانطلاق من أن حركتكم "المظفرة" ليست قدر على الشعب الفلسطيني، أو معصومة من الأخطاء.. وليست أكبر من النقد.. يجب إدراك أن حركتكم ليست بقرة مقدسة لا يجب التعرض لها.. عودوا أدراجكم وتعلموا فن المناورة السياسية لا المجادلة العقيمة، فلا يعقل أن ترجموا الآخرين، وبيتكم هش من زجاج، ومواقفكم الهزلية المرتبطة بسقف أوسلو العقيم من ورق.

وبالعودة إلى الأقرع سارق المقالات وإلى عبارته التي أدخلها في المقالة المسروقة " الجبهة الشعبية هي الأخرى شاركت إسرائيل في الهجوم على القيادة الفلسطينية وحركة فتح..إلخ"، لو صدقنا حقيقة أن انتقاد الجبهة وكوادرها لمحمود عباس خيانة واصطفاف مع الاحتلال، فما هي إذن توصيف جريمة الغدر بالقائد أحمد سعدات ورفاقه واحتجازهم في سجن أريحا، وقيام الاحتلال بعدها باختطافهم واللواء فؤاد الشوبكي؟ أو توصيف التنسيق الأمني الذي يجري ليلاً ونهاراً.. أو اعتقال المطاردين.. وملفات الفساد للمسئولين في السلطة .. برأيي أنها عقوبة تتجاوز الخيانة كثيراً كثيراً. وما الفرق أيضاً بين انتقادات الجبهة الشعبية والشعب الفلسطيني لسياسات عباس وزمرته وبين الانتقادات اللاذعة من عباس ودحلان للراحل ياسر عرفات قبل وفاته وتحميله مسئولية الأوضاع ومشاركتهم في مظاهرات مناوئة للراحل في خان يونس وغزة؟!!.

 إن تفسير ذلك نابع من أن ذلك هو إفراز طبيعي لتربية ونهج أوسلو الذي زُرع في عقولكم.. نهج الاستسلام الذي قادنا إلى مجزرة التنازلات والتسليم بحقوقنا الوطنية، نهج أوسلو البائس.. والذي ولدّ مرضى نفسيين يرون بتجربة السلطة الكارثية خطوات نضالية وانجازات، ولأنهم يسيطرون على مقدرات الشعب الفلسطيني لا يستطيعون تعلم حدود الأدب.. ولا حدود الوطن.. ولا تداعيات ونتائج حكمهم على شعبنا الفلسطيني.. ولا  تضاريس الخارطة السياسية الفلسطينية.. مسحوا كل ذلك وثبتوا صورة محمود عباس ودافعوا عنه بكل استماتة.

في المجتمعات الحرة والديمقراطية والتي يعمل فيها المسئول ليل نهار في خدمة أبناء شعبه يُنتقد ويشن هجوماً حاداً عليه في حال ارتكاب خطأ صغير، فيلقى عليه البيض والطماطم، وهو يقابل ذلك بالاعتذار لشعبه، وفي أحيان كثيرة يقدم استقالته. لكننا في حالة السلطة نرى المسئول يسرقنا ويتنازل عن حقوقنا بعيون وقحة وفجة، ويأتي بعد ذلك ليسوق علينا وطنية ولا رغبة لديه للاعتذار أو تسجيل موقف شرف لنفسه، لأنه بذلك سيخسر امتيازاته وشركاته ومستقبل أبنائه التي بُنى على معاناة ومقدرات شعبنا.

اقرأوا جيداً حركة التاريخ، لتصلوا إلى الوصف السياسي الحقيقي لحالة ووضع قيادتكم الراهنة... قيادة بلا انجازات، أو كرامة.. ماذا تنتظرون منها؟ فهل من الحكمة أن تدافعوا بكل قوة عن هذه القيادة وتقييم أدائها الصفري الكبير!!.
قد تكون السياسة مدعاة للبعض للكذب لتبرير موقف معين في إطار التكتيك لمعالجة خطأ ما، من مبدأ الاستفادة من الأخطاء وفتح صفحة جديدة وشق طريق مغاير للطريق السلبي القديم، لكن في الحالة الفتحاوية يستخدمون الكذب كفن وخارطة طريق لتبرير حالة الكذب والمناورة والالتفاف على الحقيقة من أجل الدفاع عن الرأس القيادي.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كبيرة وتستمد مواقفها من رحم الشارع الفلسطيني، وعندما تقول لبعض الثلة المجرمين والعابثين بأن سياستكم خاطئة ووبال على شعبنا الفلسطيني فهي تعي ذلك، ولا تخاف من أحد، ولا تتردد في ذلك، ومستعدة أن تمضي بلا نهاية إلى آخر النفق.. ولن تنظر خلفها. وهي لن تساوم على حقوق شعبنا وشهدائه وأبطاله الأسرى .. ولا يحق لمن باع الوطن في المزادات الدولية وعلى الطاولات المستديرة وفي غرف التنسيق الأمني أن يتحدث عن الوطنية استيقظوا وتعلموا درس التاريخ ، فالزمن لم يتوقف عندكم.. والمكان الحقيقي للجثة الهامدة هو دفنها لا ثلاجات الموتى.


(انتهى)

الخميس، 22 يناير 2015

سفارة "فلسطين" بجنوب أفريقيا نظرة من الداخل



أيمن أنور

كي لا أُتهم بشخصنة الموضوع وحتى لا يُفسر موقفي من سفارة "دولة فلسطين" بجنوب أفريقيا وسفيرها عبد الحفيظ نوفل بأنه ردة فعل، أو تجريح شخصي؛ كما لا يتعلق بموقف السفارة السئ بشأن زيارة المناضلة ليلى خالد لجنوب أفريقيا. بل من منطلق أن من حق أبناء الشعب الفلسطيني الاعتراض على سياسات وبرامج وممارسات سفارات وسفراء نعتقد أنهم يمثلون وينتحلون اسم دولة فلسطين. من هذا الجانب كله سأبدأ مقالتي في التذكير بمؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي عُقد في مدينة "ديربان" والذي استضافته جنوب أفريقيا عام 2001، والذي شكّل بداية انطلاقة هامة لحركة مقاطعة الاحتلال بفضل جهود المؤسسات والحركات التضامنية مع الشعب الفلسطيني أولاً ودولة جنوب أفريقيا ثانياً، وكانت الغائبة طبعاً السلطة الفلسطينية ممثلة بسفارتها عن هذا الإنجاز لانشغالها بتسويق فكرة السلام، وشعارات أوسلو وبإدانة "العمليات الانتحارية" التي تستهدف المدنيين في الكيان الصهيوني بعد اندلاع الانتفاضة الثانية.

منذ ذلك الوقت تأسست في جنوب أفريقيا حركة مناهضة للصهيونية وللعنصرية، مطالبة بعزل "إسرائيل" والقطيعة معها باعتبارها نظام يمارس الفصل العنصري، وهو ما سُمي آنذاك "إستراتيجية ديربان" في كيفية التعامل مع الاحتلال وجرائمه وممارساته بحق الفلسطينيين. ونعود للتأكيد بأن هذا الفضل يعود لجنوب أفريقيا وللحركات المناهضة للصهيونية. وقد تمكنت هذه الجهات من تحقيق الكثير من الإنجازات على هذا الصعيد خاصة في الدعوة للمقاطعة الأكاديمية للاحتلال والمستمرة حتى الآن، وعلى سبيل المثال وليس الحصر قطع جامعة جوهانسبرج علاقاتها مع جامعة "بن غوريون" الصهيونية، في الوقت الذي ما زال التنسيق الأمني للسلطة مع الاحتلال فعالاً ومستمراً على أكمل وجه.

كما بدأت جنوب أفريقيا بالإعلام المضاد لمنتجات المستوطنات، ومارست بالفعل سياسة القطيعة لهذه المنتجات في لقاءات رسمية، تزامناً مع استخدام وكلاء وزراء في اقتصاد السلطة وسفراء حاليين نفوذهم لتحويل أطنان من الأسمنت المصري كانت هدفها ترميم البيوت المهدمة في رفح وقطاع غزة لبناء الجدار العازل وفق صفقة سرية وهذا مثبت ولا يمكن إنكاره.

لم تستغل سفارة "دولة فلسطين" خصوصية جنوب أفريقيا والإنجاز الذي تحقق منذ عام 2001 ، ولم تبدأ فعلياً بالاندماج مع حركات المقاطعة إلا قبل سنوات معدودة وبسبب الإحراج من تنامي واتساع المقاطعة والحركات الناشطة فيها، أو بسبب محاولتها ركب الموجة لا أكثر، رغم احتضان السفارة قبل سنوات لقاءات تطبيعية في سفاراتها في بوتوريا، شكّلت طعنة في خاصرة حركة المقاطعة للاحتلال وأثارت موجة غضب هائلة آنذاك، واعترفت السفارة بذلك، وببرود شديد وصفت لقاء طلبة إسرائيليين بأنه ليس لقاءً تطبيعياً وإنما لقاء من أجل تعزيز فرص السلام ونبذ الحرب، والدليل على ذلك أن الطلبة لم يكونوا جنوداً في جيش الاحتلال حسب توضيح السفارة وسفيرها الراحل!!.

حتى أسبوع الابارتهايد الإسرائيلي يُنظم بشكل سنوي من قبل دولة جنوب أفريقيا ومؤسسات دولية وانضمت إليها مؤسسات فلسطينية ناشطة في حركة المقاطعة، وتكتفي السفارة الفلسطينية بالإعلان عن هذا الأسبوع والدعوة للمشاركة الواسعة فيه. وأتحدى أن تقوم تلك السفارة بنشر بيان صحافي مروس بشعار السفارة ووزارة الخارجية الفلسطينية يتضمن إجراءات جدية تتخطى التصريحات والزيارات وتبلور برنامج وخطة مناهضة للاحتلال في جنوب أفريقيا، على الرغم من أن السفير الحالي ووكيل وزارة الاقتصاد السابق سخر كل جهوده في الدفاع عن سياسة أبو مازن "الحكيمة" ومواقفه وبرنامجه وسقفه الهابط الذي لم يتجاوز سقف منزل حارس في مدينة روابي، وذلك من أجل مكاسب شخصية لا أكثر، والحفاظ على حالة استقرار سفارته دون أي منغصات. 

يجب ألا نظلم السفير الفلسطيني في جنوب أفريقيا بهذا المنصب والتعيين في دولة مهمة وحساسة بجنوب أفريقيا، لأن تقاليد تعيين أغلب السفراء لدى السلطة لا تتم من خلال الشفافية والكفاءة والتقييم الإيجابي بقدر قرب السفير من أجندة أبو مازن. ومن أجل ذلك يعي السفير أن استقراره في السفارة مرهون بأن يتكيف مع سياسة الرئيس، وينبري في الدفاع عن مواقفه والتطبيل لها، بالضبط مثلما يفعل الهباش في خطبه التحشيشية والمثيرة للجدل. رغم أن الحل في السفير يكمن في أن يطالب بتعيين نفسه ناطقاً رسمياً باسم الرئيس بدلاً من مسئوليته عن سفارة "دولة فلسطين" في جنوب أفريقيا.


نؤكد مرة أخرى بأننا عندما نتحدث عن جنوب أفريقيا، وبتجربتها النضالية الرائدة وتخلصها من نظام الفصل العنصري بفعل تضحيات شعبها الأصيل، يجب أن نقدم نحن نموذجاً يحّتذى فيه والاستفادة من هذه التجربة، ونقل تجربتها إلى الأراضي الفلسطينية بدلاً من أن ننقل تجربة أوسلو والبيزنس إلى داخل جنوب أفريقيا، لأننا بهذه الطريقة نعزل أنفسنا بجدار سميك من الفساد، واللامبالاة، والوطنية الزائفة، بدلاً من أن نسخر جهودنا لعزل دولة الكيان الصهيوني. ومن أجل ذلك يجب أن نفتح ملفات السفارات الفلسطينية على مصراعيها ليس لجهة التطبيع وحسب، مستندين لأهمية أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في سفير أو سفارة واحدة بل في نهج الفساد الشامل.

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

نحو فهم أعمق للمثقف السلطوي


أيمن أنور

أوسلو وصعود (المثقف) السلطوي:

مما لاشك فيه أن صعود المثقف السلطوي ( كاتب، صحفي، سياسي، اقتصادي، نخبوي سلطوي..إلخ) المسلح بدعم السلطة ومواقفها وبرامجها بديلاً عن المثقف الوطني الحقيقي، أدى إلى حدوث شرخ كبير في الوعي الجمعي الفلسطيني، ومحاولات لإسقاط القيم التحررية النضالية الفلسطينية وهويتنا الوطنية، واستبدالها بأفكار انهزامية واقعية دفعت الكثير من هؤلاء ( المثقفين) إلى الكفر بالوطنية والغوص في مستنقع أهداف وخبائث اتفاقية "أوسلو"، واحتراف نهج الارتزاق السياسي كهدف، وإلى استهداف تغييب العقل الفلسطيني، من أجل زرع الأفكار السلطوية الرثة والاندماج الكامل في برنامج التسوية والتطبيع مع الاحتلال وأفكار السلام، والهجوم المستمر على المقاومة ووصفها بالعبثية.

لقد شكّل التوقيع على اتفاقية "أوسلو" تحولات فكرية ونزعات انتهازية تسلقية أسست ما يُعرف بـ"سماسرة الوطن"، الذين تاجروا واستثمروا بالقيم والمبادئ من أجل تحقيق المصالح الخاصة، ودافعوا وما زالوا بشكل محموم عن السلطة وأجهزتها الأمنية، حيث تحوّلت أراضي السلطة في ظل هؤلاء إلى بازار لعرض سلع السلطة الفاسدة الرخيصة الثمن، ناهيك عن محاولات مكثفة لتجريد المواطن الفلسطيني من أي قيم ومضامين ثورية.

وفي هذا السياق، يشير الكاتب خليل نخلة في كتابه الهام " فلسطين ليست للبيع" إلى أن تدفق المال الأجنبي بأجندات سياسية أدى لتداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية عامة، وخلق تناقضات جوهرية ورئيسية مع مفهوم التنمية التحريرية التي يحتاجها شعب ما زال محكوماً للاحتلال".
ويؤكد الكاتب إلى" أن إقامة سلطة "أوسلو" ليست سوى محاولة لإعادة هندسة المجتمع الفلسطيني، بما يشمل تغيير القيم الثقافية، وإلى محاولات عدد من الأشخاص التقارب مع طغيان سلطة "فتح" في ظل تحكم وكالات التمويل العابرة للحدود مثل البنك الدولي، والوكالة الأمريكية للتنمية (USAID) في شراء الموقف الفلسطيني".

أسرلة العقل الفلسطيني بقيود الدعوة للدين الجديد ( أوسلو):
سعت سلطة "أوسلو" منذ بداية تأسيسها لضمان استقرارها دون أي منغصات ومشاغبات إلى محاولات ممنهجة لتقييد العقل وأسرلته داخل قيود برنامجية سعت وما زالت إلى استبدال قيم النضال التي اكتسبها وورثها شعبنا الفلسطيني من خلال الدعوة إلى الدين الجديد ( أوسلو) وقيمه ومبادئه الرثة والكارثية. ولقد أظهرت من أجل ذلك أبواق ثقافية وإعلامية عديدة تبوأت مناصب هامة في الوزارات والمؤسسات والمراكز الثقافية والإعلامية، أعُطيت الأوامر لها للتبشير للدين الجديد، ومحاولات تغييب العقل والوعي الفلسطيني، بإشراف مباشر من أجهزتها الأمنية. وما زالت هذه الأبواق تعمل في ظل بيئة حاضنة لاتجاهاتهم. ولا مشكلة أن تجد رئيس التحرير في هذه الوكالة أو تلك يعمل كضابط في جهاز أمني، وفي الوقت ذاته يعرض نفسه أمام الناس (كمثقف وطني) لديه آراء مستقلة عن أجندة عمله، يحاول تسويقها لمآرب وأهداف ومصالح شخصية. ولا مشكلة أيضاً أن يتاجر هذا "المثقف" بالمال السياسي، وأن يخرج عن طوع السلطة ويتمرد عليها في بعض الأوقات، أو يغرد خارج حدودها بحثاً عن التمويل الشخصي لأفكاره ومعتقداته ووكالاته الإعلامية أو مراكزه الثقافية، ومن الطبيعي أن يغير ولاءاته وأفكاره وفق رأي وأهداف الممول. ولا مشكلة أن يدافع هذا "المثقف" عن الديمقراطية ويتشدق بها، ويسوق نفسه للناس بأنه ممانع ومكافح للفساد السلطوي رغم أنه في قاعها، وعلى منبر آخر ينشغل باستثماراته والبيزنس واعلانات فضائياته وشركاته.

في هذا السياق،" يرفض المفكر الدكتور عادل سمارة في مداخلات فكرية عديدة له حالة التحوّل الفكري الثقافية للمثقف إلى مجرد موظف أو محطة لتصليح حافلات السلطة، داعياً لضرورة أن يبقى المثقف مستمراً في تحليل حقائق الحياة والتعبير عن رأيه دون الاضطرار إلى مراعاة دبلوماسية السلطة".
 كما كشف الدكتور سمارة عن عيب خطير في الحالة الفلسطينية ممثلاً في غياب النقد الفكري المعمق ، معترفاً أن من يقف ضد النقد هو الأموال السوداء المسمومة من السلطة والمانحين ومنظمات الأنجزة"’
إذن، لقد وقع العقل الفلسطيني في شرك السلطة، وخدعة الديمقراطية التي يبشر بها هؤلاء، وتجري محاولات عديدة لتغييب هذا العقل تماماً عبر برامج مكثفة. وبرأينا، التصدي لهذا الموضوع الخطير، لا يكمن من خلال تجاهل هذه المحاولات عن طريق الصمت أو الاستسلام لهذا الواقع، أو الابتعاد عن بيئته الحاضنة، بل بضرورة إطلاق العنان لطاقات العمل، كما قال الفيلسوف الفرنسي الشهير " ديكارت". ومن هنا يقع على عاتق المثقف الحقيقي الوطني وعاتقنا جميعاً إلى خلق برامج مضادة تستوعب كل الطاقات والعقول الوطنية والمثمرة للرد على هؤلاء وتحجيم دورهم، وصولاً لنبذهم.

وفي سياق هذا الهدف، يدعونا الدكتور أحمد قطامش لخلق طريقة تفكير جديدة، مؤكداً أن ليس ثمة فرصة لأي مخرج من المأزق والعقل الفلسطيني أسير، ومن هنا تأتي ضرورة إعادة صياغة المخرج على قاعدة الكفاءة بعيداً عن الولاءات السياسية.

المثقف السلطوي بوق الفساد الشامل، والناطق الرسمي باسم مؤسسة الهزيمة الفلسطينية:
لم يكن لجوء مثقفي السلطة باعتبارهم ركن هام من أركانها إلى شن حرب إعلامية بالوكالة عن قيادة السلطة إلا لتدجين الواقع خدمة للبرامج الهابطة عبر محاولات وصف المقاومة بالإرهاب، وتبرير سلوك السلطة بالتنسيق الأمني، وممارساتها المتواصلة، ومشاريعها السياسية الهابطة، وسياساتها الأمنية والاقتصادية. ولقد أسست من أجل تسويق هذا الهدف مراكز ثقافية وصحافية ومواقع الكترونية لعبت دوراً هاماً في انتشار هذا الفكر الاستسلامي، وإلى اعتناق الكثير تحت مسمى "الواقعية" وتحت سوط ابتزاز المال السلطوي هذه الأفكار. ومن ضمن استهدافات هذه المراكز محاولات خلق جيل جديد يفكر وينشغل بالأفكار السطحية ومغريات العولمة وسلبياتها، فضلاً عن زرع الأفكار الانتهازية على حساب التفكير الجمعي بهموم الوطن، عبر محاولة اقناعه بعبثية المقاومة، وضيق أفق المستقبل، وزرع بذور الهزيمة والاستسلام داخله.
ندرك أن تغير الواقع من وقت لآخر يستوجب منا ضرورة تغيير أدوات النضال وفق هذا التغير.. وفق أدوات تستند إلى جدران صلبة من المبادئ والصلابة والتحدي، وذلك من أجل مواجهة جيش كبير من اشباه المثقفين التي قامت السلطة بصناعتهم وتدريبهم.

وفي وصف دقيق لهؤلاء المثقفين، يؤكد الرفيق خالد بركات في مقالة له هؤلاء بأن كل شئ لهؤلاء المثقفين  قابل للبيع والشراء والعرض والطلب، وكل حالة فلسطينية نبيلة ومقاتلة يمكن أن تخضع لمنطق السوق والصفقة التجارية عندهم. إن للمثقف الأوسلوي (فلسطينيته) الخاصة و(وطنه) الجديد، وهي ليست سوى دونمات ومناطق وبيزنس، ولأنه تاجر ديمقراطي ويعرف السوق جيداً، برر كل كوارثه باستعارات هزيلة ومقلوبة عن الواقعية السياسية، ومعنى الإصلاح الديمقراطي. إن هذا المثقف (الفلسطيني) هو بوق الفساد الشامل، والناطق الرسمي باسم مؤسسة الهزيمة (السلطة) الفلسطينية.

يكفي لهؤلاء السماسرة أن ينشئوا سوبر ماركت لنشر بضاعتهم الإعلامية ويكتبوا عن الوطن وهم داخل حضن أوسلو، يتهموك بأنك غير ديمقراطي وتنتهك مبادئ الحداثة وحرية الرأي لأنك رفضت فكرهم الانهزامي وبرامجهم الخبيثة وأكاذيبهم المدجنة والمعلبّة لتخدير العقل والمستوردة والمسمومة والموجهة لحرف عقول شبابنا. لا مشكلة لهؤلاء أن يتاجروا بالمناضلين والشهداء والأسرى وأن يطلقوا الاستفتاءات من أجل ذلك، طالما أنها تحقق لهم أموالاً باهظة ... لا مشكلة أن يُدفعوا لصنع استفتاء لشخصيات من الموالاة داخل الحزب السلطوي الكبير من أجل محاولات انتخابية لزعزعة استقرار ونسبة فوز أي أسماء قيادية مناهضة لتلك الموالاة في أي نتائج قادمة في مؤتمر الحزب. وليس غريباً أن يلغي هذا السوبرماركت الاستفتاء بسبب تهديد. وأن ينتقدهم في الوقت ذاته وكله باسم الديمقراطية!! ولا عجب أن يُوضع أسماء الأسرى كسلعة في إطار المقارنات واختيار الأفضل منهم!!، وهم الذين لم يعيشوا في حياتهم ظروف الأسرى ومعاناتهم. ليس مشكلة أن تتصدر وكالة ذلك المثقف والصحافي تمريرات معينة ومستهدفة من اخبار الإعلام الصهيوني والتي بمجملها تحبط العزائم وتسوق لأجندات الاحتلال، في حين أنه لم يحاول أن يدخر وسعاً في الاهتمام أكثر بترجمة معمقة وشاملة لما يحدث داخل الكيان الصهيوني الهش، وحالة الفساد الشاملة التي تعصف بالمجتمع وفي المشهد السياسي.
محاولة شيطنة المثقف الوطني باسم الديمقراطية ولغة أنصاف الحلول:
رغم البيئة المسمومة التي خلقتها اتفاقيات الذل "أوسلو" وسلطة الحكم الذاتي الهزيلة، إلا أن هناك حائط مجابهة قوي مهم وحاضر ويناضل ويتصدى لهؤلاء (المثقفين) السلطويين وأفكارهم الخبيثة، وهم بعيدون عن ابتزاز المال السياسي، وأيديهم نظيفة، ويعبرّون عن الموقف الوطني العام بعيداً عن دعاة أنصاف الحقيقة، ولا يكترثون بوصفهم بالعدميين وأنهم أعداء الديمقراطية والحداثة، وما زالوا يوماً بعد يوم يناضلون من أجل كشف أهداف وتوجهات هؤلاء المثقفين المشبوهة، وصفقاتهم التجارية، ومحاولاتهم الوقوف في وجه المطبّعين مع الاحتلال والتقارب في المواقف مع الرواية الصهيونية، رغم مطاردة الاحتلال لهم واعتقالهم في كثير من الأحيان، ومحاربة السلطة لهم، والتحريض عليهم عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهنا نلمس جهود جيش من الشباب في الضفة والقدس وفي مواقع أخرى يشنون حرباً بلا هوادة على المطبّعين وتعريتهم وفضح أفكارهم، ولقد نجحت جهودهم أخيراً في اقتحام أوكار اجتماعاتهم، وأوصلوا صوت شعبنا الفلسطيني الرافض للاتجاهات الفاسدة والمنحرفة في المجتمع الفلسطيني.
حاول المفكر العالمي إدوارد سعيد تأكيد هذا المبدأ من خلال كتابه الشهير " المثقف والسلطة" حين أكد على أن المثقف الحق لا يمثل أحداً بل يمثل مبادئ كونية مشتركة لا تنازل عنها، ممثل بنص الجماهير، وهو الذي لا يقبل أبداً بأنصاف الحلول، أو أنصاف الحقيق. هو الشخص الذي يواجه القوي بخطاب الحق، ويعبّر على أن وظيفته هي أن يجبر نفسه ومريديه بالحقيقة. هو المثقف المقاوم، يقاوم بفكرة ونشاطه مواجهة هيمنة السلطة السائدة بمختلف أنماطها المادية والاجتماعية والسياسية التي تحتكر البنية الفوقية للمجتمع والسياسة.

ويشن "سعيد" في كتابه هجوماً عنيفاً على ذلك المثقف الانقلابي الذي تغيره اللحظة، ويصبح انتهازياً غير مؤمن بمبادئ كونية تعفيه من أداء صورة المنافق والمتقلب، مؤكداً أن المثقف هو الذي لا يعبد لا أرباب السياسة ولا أرباب الشركات ولا يؤمن بهم مهما كان نوع هذا الرب، وأن اتخاذ المثقف صفة العابد لهذا الرب، هو نشوز عن دوره وسلوكه، داعياً المثقف ألا يسمح لطاقة سلبية ولأي راع من الرعاة أو سلطة من السلطات توجهه أو توجه خطابه لخدماته لأنه عادة ما تخذل هذه الأرباب عبادها.

تعزيز برنامج المقاومة في مواجهة حراس السلطة الليليين:
 إن تعزيز برنامج المقاومة الشاملة، والرفض المطلق المبدئي للسلطة ومواجهة مثقفيها وأفكارهم هو الحل السحري والعملي لدحض افتراءات هؤلاء المثقفين الفاسدين، وتحصين جبهتنا الداخلية من ذلك الوباء (السلطوي)، وكشف أكاذيبهم والتصدي لبرامجهم ومخططاتهم ومشاريعهم الاستثمارية، يجب أن نحمل أفكار ناجي العلي برفض الدخول في عملية التطويع والتطبيع الشامل، ورفض المشاركة في حلول التسوية. يجب علينا  شن حرب لا هوادة ضد هؤلاء الفاسدين يتزامن مع نضالنا الحثيث من أجل إسقاط نهج "أوسلو"، وصوغ بديل وطني ديمقراطي تحرري ينضم تحت لوائه جميع أبناء شعبنا.

ونشير هنا وفق لمصطلح المفكر "غرامشي" " الدولة الشرطي"، إلى أن هؤلاء المثقفين أو الحراس الليليين تحوّلوا كوكلاء لهذه الدولة الشرطي، وحاولوا تنفيذ الوظائف المندرجة في إطار الهيمنة والمقصود هنا " الهيمنة السياسية".

وأختم بالعودة إلى نقطة بالغة الأهمية حملها كتاب " فلسطين ليست للبيع" ، عندما ينصحنا الكاتب "نخلة" بضرورة الوصول لآليات عمل حقيقية من أجل التصدي لمحاولات تكبيل الأجيال الحاضرة والمستقبلية بالوعي وخلق تنمية تحررية مرتكزة على الناس هدفها النهائي لها هو خلق نسيج اجتماعي متماسك وصلب ينفذ إلى أعماق الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال، والأفكار المسومة، ومشاريع الانجئوز المحولة والتي تستهدف المجتمع ولا تستعرض انتهاكات الاحتلال. وأهم من ذلك كله يدعو الكاتب لضرورة مراجعة المناهج التعليمية الأساسية باعتبار التعليم " مشروعاً وطنيا، وليس سلعة تباع وتشترى وتتطور بالدعم الخارجي، على أن يتم ذلك من مصادر وطنية صرفة، مع القناعة بأن الفلسطينيين يعيشون صراعاً طويلاً المدى" كما قال نخلة في كتابه.

( انتهى)


الجمعة، 21 نوفمبر 2014

عملية القدس بطولية يا حسن اللي مش بطل



أيمن أنور

دعونا نتوقف قليلاً حول كتاب " حلم رام الله .. رحلة في قلب السراب الفلسطيني" للكاتب الفرنسي "بانجمين بارت" أصدره العام الماضي، والذي اخترق خلاله عالم سلطة أوسلو الهش من الداخل، ونقل لنا حقيقة الأوضاع المأساوية في أراضي الضفة المحتلة على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث اعتبر في كتابه كيفية تحّول السلطة إلى مجرد إدارة للاحتلال تقاد من مستوطنة "بيت إيل"، متطرقاً إلى الفساد السياسي والصفقات التجارية والامتيازات التي يستفيد منها الكثيرون من الشخصيات السياسية والقيادية في المقاطعة وحولها خصوصاً رجال الأعمال والكتّاب والأكاديميين . تتركز هذه الشرائح في حي الطيرة الغني جداً حيث تربّحت من السلطة وأصبح لها امتيازات وعقارات وشركات عائلية، ولا تجدها أبداً بين الناس، بل في المؤتمرات وحفلات القنصليات، وفي مؤتمرات وورشات عمل السلطة أو جلسات التطبيع مع الاحتلال، وهمها الوحيد الدفاع المستميت عن برامج السلطة وسياساتها وفسادها، والمتاجرة بأوهام السلام، والهجوم على المقاومة.

طبيعي في هذا السياق، أن تحيط قيادة السلطة نفسها بدائرة من الكتّاب والمثقفين الفاسدين، تحافظ من خلالهم على الوضع القائم، وتقزم إدارة الصراع والمواجهة مع الاحتلال في خيارات السلطة العقيمة من مفاوضات واجتماعات أمنية وتنسيق أمني، وهي من أجل ذلك فتحت خزائن أموال الشعب الفلسطيني لهم لحثهم على الاستمرار ببث سمومهم وأكاذيبهم بين الناس، وزرعتهم في المناصب الحساسة، خاصة الصحف والمجلات ذات اللون والاتجاه السلطوي الواحد، أبرزهم الكاتب المعروف في جريدة الأيام حسن "البطل" الذي حمل لواء الدفاع عن نهج القيادة الفلسطينية المتنفذة المتفرد والإقصائي منذ كان في بيروت، وقبرص، وعدائه المعروف آنذاك لجبهة الرفض وخصوصاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وطبعاً، جهود حسن " البطل" الحثيثة على مدار سنوات طويلة في الدفاع عن أرث أوسلو المقيت وقياداته الفاسدة المتعاقبة حولتّه إلى أحد الأسلحة الهامة والأبواق الإعلامية التي تعتمد عليها قيادة السلطة وتسخرها في الهجوم على الفكر الثقافي المقاوم، فليس غريباً أن يواصل باستماتة وصف العمليات الاستشهادية بالعمليات الانتحارية واعتبارها جريمة من جرائم الحرب.
وقد جاءت مقالته الأخيرة التي نُشرت يوم الخميس الماضي في جريدة الأيام بعنوان " ولكنها ليست بطولية" في ذات السياق والمنهج الاستسلامي والانهزامي الذي يحاول تمريره دائماً عبر صحف السلطة، حيث وصف العملية البطولية التي نفذتها الجبهة الشعبية في القدس بالعملية الخطيرة التي لها تداعيات خطيرة!!، وتهدد بنقل الصراع بين شعبين إلى حرب بينهما!!، رافضاً إعلان الجبهة المسئولية عن هذه العملية، معتبراً أن ذلك سيكون له تداعيات خطيرة لأن الجبهة عضو بالمنظمة، وهي جبهة يسارية لا يُفترض على عناصرها حسب زعمه شن هجوم قاتل على كنيس!! ، وأن الجبهة بهذه العملية تصب الزيت على حرب دينية حذر من مخاطرها رئيس السلطة وعقلاء كثيرون في "إسرائيل"!!، واصفاً خلال مقالته القتل الفردي والجماعي سواء بمبادرة فردية أو فصائلية غير مشروع، وبالذات إذا ضرب على العصب الديني!!!، مختتماً مقالته بأن لا شئ يبرر حرق جامع، ولا شئ يبرر هجوماً قاتلاً على كنيس!!.

يوجه حسن " البطل" قلمه بعقلية الليبرالي الغربي الرافضة لكل مكتسباتنا وهويتنا الوطنية، ولا يجرؤ طبعاً أن يعطي لشخصيته الفرصة أن تخوض صراعاً مع ضميره، لأنه حسم  وجهته قديماً وليس جديداً بالانتماء إلى مدرسة أوسلو الفكرية المنفصمة روحاً ولغة وفكراً وهدفاً عن خيارات شعبنا في المقاومة والتحرير ومواجهة الاحتلال.    

جاءت مقالة "البطل" الأخيرة لتؤكد أن هناك حفنة قليلة معزولة تمارس فن الرقص على جراح شعبنا وعذاباته، وتحاول باستماتة بث سمومها الخطيرة وفكرها الانهزامي بين أوساط شعبنا، وهي على قلتها وعدم تأثيرها محصنة ومحمية تماماً من قيادة السلطة التي تشترك معها في الجريمة، وتحاول تبهيت صورة شعبنا النضالية أمام العالم، وتجريم الشباب الوطني المخلص وردوده المشروعة على هذا الاحتلال الكولنيالي العنصري.
ليس غريباً أن تتقاطع أفكار حسن "البطل" مع كتّاب صهاينة في التحذير من حرب دينية قادمة، طالما أن "البطل" ومجموعة من المثقفين من الدائرة القريبة المحيطة بمحمود عباس لا يمتلكون أي وعي وطني بطبيعة الصراع بيننا وبين الاحتلال الصهيوني لأنهم قد اشتروا أنفسهم وقلمهم بالمال والمناصب والنفوذ، ولذلك لن يحاولوا المس بمحرمات عملت سلطة أوسلو على تثبيتها وترسيخها في المجتمع الفلسطيني عبر إجراءات كي وعي ممنهجة ومركزة، نجحت إلى حدٍ ما في السيطرة على بعض العقول الضعيفة، لكنها تفاجئت الآن أن إرادة شعبنا الحقيقية انتفضت من سباتها وفكت سحر أوسلو المقيت، وها هي تعيد بوصلة الصراع الحقيقي إلى مسارها الصحيح في ضرباتها ومقاومتها القوية والساحقة للاحتلال الصهيوني في القدس، والضفة، وفي مناطق الـ48، لتلعن السلطة وبرامجها وقيادتها وأذنابها.

لقد أعادت العملية البطولية في القدس يا "بطل" الأمور إلى أصلها الحقيقي، وقضيتنا الوطنية إلى مكانتها الطبيعية، ولم تكن عملاً فردياً أو شيئاً عابراً ولم يكن هدفها الانقضاض على معهد أو كنيس ديني في داخله مصلين يهود، بل على وكر يجتمع فيه مجموعة من القتلة الصهاينة الذين ينطلقون من داخله لقتل أطفالنا ونسائنا في مدينة القدس، فأين كنت يا "بطل" عندما خرج هؤلاء القتلة انطلاقاً من هذه الأوكار واختطفوا الطفل المقدسي محمد أبو خضير وحرقوه حياً!! – طبعاً أنت لا تتمنى أن يكون ابنك في مكانه - ، أين كنت عندما شنق هؤلاء الشاب الرموني في جريمة جديدة أخرى!! أين كنت وجرائم هؤلاء القتلة تتواصل وتتواصل ضد شعبنا!!! .

إن اللعب أيضاً على وتر جمع عملياتنا البطولية والمشروعة في سلة واحدة مع العمليات الإرهابية لهؤلاء القتلة بحجة أن عملياتنا تشابه عملياتهم ولا تختلف في الهدف والتداعيات..إلخ، هي الوجه القذر للأقلام الصفراء المسمومة التي يستغلها الاحتلال في حربه ضد شعبنا الفلسطيني، ونذكّر البطل وجميع الكتاّب الانهزاميين أن المجتمع الصهيوني بتركيبته الحالية بيمينه ويساره ووسطه إرهابي وعسكري وليس مدني، ومن السذاجة والتفاهة أن تذرف الدموع على هؤلاء القتلة وتصوّب الأقلام كسهام في ظهر مقاومينا، فالمعركة مع هذا الاحتلال هي معركة وجود وهو كيان استئصالي عنصري كولنيالي وندرك جميعاً أن الانتصار على هذا الكيان لن يتم إلا برحيله وكنسه بالكامل عن أرضنا، هذا الموضوع ليس طوباوياً أو مستحيلاً، وإنما خاضع لإرادة وصلابة وصمود ووحدة شعبنا، وليس ببرنامج السلطة وقيادته التابعة.

إن كان الكاتب الهمام "البطل" تناسى أن عملية القدس البطولية استهدفت وكراً إرهابياً أقيم على أنقاض قرية دير ياسين المدمرة، والتي ارتكبت العصابات الصهيونية بحقها عام 1948 مجزرة رهيبة، فإن طاقات شابة مقدسية حرة أبية لم تنسَ هذه المجزرة، وفتحت الحساب المفتوح مع الاحتلال لتنتقم للأجداد ولتعيد خزان الذاكرة من جديد، وأصل الصراع إلى مكانه الطبيعي ، وأنه لا استقرار ولا حياة إلا برحيل هذا الكيان عن كل شبر من أرضنا.

لقد حملت العملية البطولية في القدس دلالات ومعاني كبيرة لن يشعر بتأثيرها وتداعياتها الإيجابية إلا الوطنيين الشرفاء الذين قدّموا ولا زالوا الغالي والنفيس من أجل استمرار شعلة المقاومة في وجه هذا الكيان الصهيوني الغاصب، ولم يضعوا أنفسهم يوماً حاجزاً أو مانعاً أو ناقداً أو مشوهاً للنضال الفلسطيني ولصورة شعبنا.

نأمل من "البطل" وأمثاله أن يعودوا إلى حضن شعبهم وخياراته، وأن يدرسوا أدب المقاومة حتى يمتلكوا الوعي الثقافي اللازم لوصف الحالة الفلسطينية بطبيعتها وثوابتها، وليس بوجهة نظر السلطة وبرامجها الخبيثة.   


( انتهى)   

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

"ورقة من غزة" لغسان، النبوءة التي ستعبّد الطريق إلى صفد


أيمن أنور

ما زالت كتابات الأديب الراحل غسان كنفاني تفاجئناً يوماً بعد يوم، حين نتعمق أكثر فأكثر في أغوار النكبة وآلام التشرد واللجوء، وتفاصيل الحياة الفلسطينية القاسية منذ الغزو الصهيوني لأرضنا وحتى اليوم.
ولعل أبرز المفاجآت التي لمسناها في أيام العدوان الصهيوني على القطاع أننا حين نستحضر "ورقة من غزة" في الرواية الشهيرة للأديب الراحل " أرض البرتقال الحزين" نكتشف فيها وصفاً حقيقياً وتراجيدياً لمعارك الصمود والآلام والمقاومة التي خاضها الشعب الفلسطيني في القطاع ضد الآلة الحربية الصهيونية على مدار 51 يوماً، وكأن الأديب الراحل يعيش بيننا الآن وينقل عبر قلمه المشهد مباشرة، ويستعرض فيه مآلات العدوان وقصص الصمود والبطولة على تخوم الشجاعية ورفح وبيت حانون، وعذابات الأطفال التي شوهت القذائف أجسادهم، وبترت سيقانهم.
بشرنا غسان بنبوءة أخرى، كما بشرنا بعد ذلك بالمقاومة في رواية " ما تبقى لكم" التي لم يجد لها جواب في رواية "رجال في الشمس" بعد رحلة تيه رهيبة في الصحراء.
قدرة غسان على استشراف المستقبل في رواياته وكتاباته ليست الوحيدة التي شكّلت أساساً ومرجعاً ثورياً وملهماً للأجيال الفلسطينية المتعاقبة، ولكن في قدرته على الغوص بأدق التفاصيل والتي حولّت كتاباته إلى لوحة متعددة ومتكاملة ربطت الواقع الفلسطيني الحالي أو المستقبلي، بروايات وقصص وشخصيات من نسج خياله عاصرت النكبة ووثقت للتاريخ عذاباتها.
كما لم تكمن عبقرية غسان في قدرته فقط على تفصيل المشهد وتوزيعه إلى أدوار شخصيات تعاني آلام الاحتلال، والتي اقتبسنا منها كلمات شهيرة كانت من نسج غسان، بل من خلال قدرته الهائلة على تحويل هذه القصة والمأساة والرواية التي عايشها حين غادر عكا وحيفا وأصبح لاجئاً إلى رواية وقصة تعتبر مرجعاً هاماً للنكبة وقاموساً من معانيها وآلامها.
كان يمكن لغسان أن يحّول "ورقة من غزة" في " أرض البرتقال الحزين" إلى متحف للبكاء واستعراض آثار الهزيمة، لولا معرفته آنذاك بغزة وما تمثله وما ستصنعه، رغم أن آثار الهزيمة في ذلك الوقت لم تمحى بعد، وكانت هناك رغبة شعبية فلسطينية جامحة للهروب من هذا الواقع للخارج، عبر الكويت مثلاً، ومن ثم للولايات المتحدة كما حدثنا في الرواية.

كان يمكن لغسان أن يسهب طويلاً بورقة غزة في عقد المقارنات بين تجربة حرب فيتنام التي طغت في تلك الأيام وانتصارها على التحالف الأمريكي وأذنابه وبين تجربة هزيمة النكبة وآثارها في غزة، لكنه لم يفعل لأنه كان على قناعة تامة بأن غزة بأزقتها الضيقة وحياتها المعمّدة بلون الدم منذ سنوات النكبة هي بداية طريقة الآلام، والمدخل لشارعنا الطويل الذي يصل بنا إلى صفد!.
رغم البداية البائسة والمحبطة من هزيمة النكبة في " ورقة من غزة" ومقارناته بين  مدينة "كاليفورنيا" الأمريكية حيث الخضرة والماء والوجه الحسن و"غزة" المفعمة بالسواد والحزينة والكئيبة، إلا أن مشهد نادية الطفلة البريئة التي بُترت احدى ساقيها جراء القصف الصهيوني أعاد إليه الأمور إلى حقيقتها.
لقد أدرك غسان منذ البداية بأن غزة والمقاومة شيئان لا يفترقان.. فهي منذ فجر التاريخ وهي تقاوم..  "وكانت دوماً تنتفض حزناً.. حزناً لا يقف على حدود البكاء.. بل إنه التحدي ، بل أكثر من ذلك إنه شئ يشبه استرداد الساق المبتورة لنادية". هذه هي النبوءة التي خبأها لنا غسان للحظتها وأراد أن يقول من خلالها بأن غزة هي الأرض التي ستعيد حياتنا المقطوعة وكرامتنا المفقودة رغم استمرارها في دفع الضريبة عن باقي أخوتها من دم أبنائها وأشلاء أطفالها.
"نادية" ، في "ورقة غزة" هي غزة نفسها التي ألقت بنفسها فوق أخوتها الصغار تحميهم من القنابل واللهب، وهي منذ فجر الاحتلال في دوامة وصراع مرير معه، وتخوض حرب استنزاف ضده.
كان يمكن لنادية ( غزة) أن تنجو بنفسها وأن تهرب وأن تنقذ ساقها المبتورة وأن تتحول إلى سنغافورة الشرق، وأن تصبح حديقة زهور " أشيكانما"، أو قرية سياحية هادئة وخالية من العنف، أو أن تنافس بغازها كازيات ومشايخ النفط، لكنها منذ البداية اختارت الطريق الأصعب والوعر، ولكنه أقصر الطرق لفلسطين، وهو سر العلاقة التي اكتشفناها أثناء الحرب على غزة بين الشجاعية وصفد في "ورقة من غزة".
كانت "غزة" في نظر غسان  العملاق الذي بادر دون غيره بالنهوض، ولعل من تجليات القدر أيضاً أن المناضل الكبير الشهيد "ناجي العلي" قد تنبأ بصورة مماثلة في منتصف الثمانينات لهذا العملاق الذي سيفجر انتفاضة ومن "غزة". وهي أيضاً شكّلت أعظم المعارك والمواجهات ضد الاحتلال في مطلع السبعينيات، حيث تصدر فيها قائد الفدائيين "جيفارا غزة" المشهد وأصبح رغماً عن الصهاينة حاكمها وقائد مقاومتها، ومن غزة انطلقت حرب الاستنزاف بعد هزيمة حزيران. وقبلها المقاومة الباسلة في العدوان الثلاثي على مصر بالخمسينيات من القرن الماضي.
لقد وجد غسان أخيراً في هذا العملاق ضالته، والإجابة على أسئلته الأليمة عن كيفية البحث عن الانتصار وإعادة النهوض من جديد على أنقاض الهزيمة؟!
لقد استطرد في روايته فجأة بعد أن تعلم من ساق نادية المبتورة ماهية الحياة التي يجب أن يعيشها الفلسطيني، وقيمة وجوده على أرضه، فأدرك بعد أن انتفضت روحه المستسلمة، وصرخت في وجه صاحبه ( عد يا صديقي فكلنا ننتظرك ) وقال عبارته الشهيرة في الورقة ( سأبقى هنا ولن أبرح أبداً) رغم حالة النزاع مع مستقبل غامض كأول الليل، وروتين عفن، ونضال ممجوج مع الزمن، شكّلتها الهزيمة.
هذا هو السر الذي يميز غزة دوناً عن غيرها، فهي ما فتئت تقاتل وهي تتلقى القذائف والصواريخ واللهب، ولكنها تقاوم، وعند الوصول للإجابة عن السؤال الكبير الذي طرح غسان في ورقته " لماذا لا نترك هذه الغزة ونهرب لماذا؟ " تظهر فجأة أمامهم صورة غزة الجريحة وهي تقاوم على الجرح، فتتحول فجأة حالة الصراع مع الذات إلى حالة يقينية بالتشبث بغزة وعدم القدرة على مغادرتها.

برأ غسان غزة دون غيرها من أسباب الهزيمة، وأعفاها من السؤال الملح " لماذا نترك هذه الهزيمة بجراحها ونمضي إلى حياة أكثر ألواناً وأعمق سلوى؟"، لأن غزة ببساطة في نظر غسان حوّلت هذه الهزيمة والتي تبعث رغبة جامحة في الهروب إلى حرب استنزاف طويلة وطويلة جداً للعدو أسقته مرارة الهزيمة، ومنذ سنوات وهي تقاوم.
لقد تخلصت غزة يا غسان من رائحة الهزيمة ، وأصبحت بيوتها ذوات المشارف الناتئة تنضح كرامة، ومقاومة، وعزة، وتحوّل البؤس والفقر إلى دافع لمقاومة الاحتلال ومرابض للصواريخ وأنفاقاً هجومية، فجيل غزة الذي رضع آباءه الهزيمة والتشرد كبر وترعرع وأصبح أكثر تصميماً ألا ينسى ساق نادية المبتورة، وعاهد الشهداء على تحويل ألم نادية وحزنها إلى هدف سامي ضد الاحتلال.
أعطانا غسان اليقين بأن من غزة ستكون بداية التحرير، ومن يومها وهي تعبّد ذلك الشارع الرئيسي الذي سيعيدنا إلى دارنا القديمة... جيفارا غزة ورفاقه فكوا لوغاريتم هذه المعادلة وواصلوا شق الطريق، وحفظ هذه المهمة عن جدارة صاحب أول نفق هجومي في الانتفاضة الثانية ومفجر بوابة صلاح الدين برفح القائد في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى أشرف أبو لبدة .. ذلك النفق هو البداية لذلك الشارع الطويل الذي يصل إلى صفد.
غزة معفاة من دفع ضريبة الهزيمة لأنها عزيمة الرجال وكلما تخسر رمزاً تنجب آخراً يستكمل طريق الرحلة، ويواصل حفره في جذور الوطن للوصول للأهداف المنشودة.. غزة ليست مصنع للأطراف الصناعية كما أرادها الاحتلال والمتاجرون والمساومون، بل مصنع لتصدير الرجولة والسواعد الصلبة.
غزة هي نقطة التقاء الجنرالات الأبطال .. يرحل بطل ويظل آخر متشبثاً بالنقطة فيستشهد فيسلم الراية لآخر.. غزة متعودة أن تفقد أعتى جنرالاتها جيفارا غزة، رائد العطار، جمال أبو سمهدانة، مجدي الخطيب فهي أكثر معرفة بطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني، وهي ما فتئت تعلم أطفالها جميعاً بأنهم مشاريع جنرالات ورثوا أنفاقاً وسلاحاً وشجاعة وكرامة وسيستمرون في ذات النهج والطريق، الذي بشرنا به غسان والذي سننطلق منه إلى حيفا وعكا ويافا واللد وكل شبر من فلسطين.

لقد رسم الأديب كنفاني في رواية "أرض البرتقال الحزين" ومن خلال " ورقة من غزة" عن قناعة وتجربة وإلهام معالم طريقنا نحو التحرير انطلاقاً من غزة ومن جرحها المستمر، فكانت ورقته بحق نبوءة واقعية وملحمة حقيقية تتعدى بشكل كبير ملاحم التاريخ الاسطورية " جلجامش والالياذة والأوديسا".

فهل ستحمل المعركة القادمة نبوءة جديدة لغسان، تنتقل غزة فيها في معركتها إلى قلب الطيرة، والرملة؟! جنرالات غزة سيجيبون عن هذا السؤال قريباً.

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

وكالة معاً من بوق للسلطة ورأس المال القذر إلى ناطق رسمي باسم الاحتلال


أيمن أنور

لم يعد خافياً على أحد أن وكالة معاً منذ عملية الخليل واختطاف المستوطنين الثلاثة لعبت دور الناطق الرسمي لجيش الاحتلال، حيث تصدرّت الأخبار المنقولة عن الاحتلال وصحفه وكتّابه ومراسليه العسكريين الصهاينة موقع الوكالة كأخبار مميزة، ناهيك عن استضافة الناطق باسم جيش الاحتلال "أفيخاي ادرعي" الذي لطالما يستثمر هكذا لقاءات ليوجه رسائل تهديد للجبهة الداخلية الفلسطينية.

تقدمت الإمبراطورية الإعلامية المالية التي يتزعمها المستوزر ناصر اللحام خطوة إلى الأمام، فقد تجاوزت كونها بوقاً رسمياً لسلطة محمود عباس ومدافعاً عن سياساتها، وحليفاً رئيسياً لرأس المال القذر الذي يسيطر على مقاليد الأمور داخل أراضي السلطة الفلسطينية، إلى ناطق رسمي ومعتمد ومنصة هامة للاحتلال الصهيوني.

تتحايل الوكالة على أبناء شعبنا الفلسطيني، حينما تقوم بترجمة ما يصدر عن الاحتلال الصهيوني وإعلامه تحت عباءة " الاستقلالية ونشر الحقيقة كما هي" وتقوم بنشره في الأعمدة الرئيسية للوكالة، وهي بدون خجل وبمعرفة مسبقة تقوم بتبرير الرواية الصهيونية ووجهة نظر الاحتلال من أجل تسميم الجبهة الداخلية الفلسطينية ومحاولة نقل أكاذيب الاحتلال للتأثير على الجمهور الفلسطيني وتخويفه وكي الوعي لديه.

تحوّلت الصفحة العبرية للوكالة إلى نسخة متطابقة من مواقع إسرائيلية مثل " هآرتس" و"يديعوت أحرنوت"، لا سيما أن سياسة نشر الأخبار والبيانات والتصريحات الفلسطينية باللغة العبرية ولغة التحريف الهائلة بها سببها حسب رأينا رغبة الوكالة في عدم تجاوز الترخيص واتفاقية التعاون بين الوكالة والمؤسسات الإعلامية الصهيونية والتي تلتزم فيه الوكالة بمصطلحات معينة، وضرورة تعديل المصطلحات التي تؤكد على حق شعبنا في المقاومة، وشرعية الرد على الاحتلال وجنوده ومستوطنيه.

أما بخصوص الموقع الانجليزي، فقد تحّول إلى أداة للكذب الصريح وحرف الحقائق حسب موقف ورؤية الاحتلال الصهيوني، فأمر طبيعي أن ينشر الموقع العربي خبراّ  تبرز بتفاصيله إدانة واضحة وصريحة للاحتلال، في حين أن الخبر ذاته على الموقع الانجليزي يتُرجم وينشر بطريقة إدانة لمقاومتنا ولحقوقنا، وإبراز جنود الاحتلال كإنسانيين وحضاريين. وعلى سبيل المثال ندعو الجميع إلى التدقيق في الأخبار التي تنشر عن عملية الخليل واختطاف المستوطنين الثلاثة، فالموقع العربي يتعامل مع مصطلح " خطف ثلاثة مستوطنين"، أما الموقع الانجليزي يتعامل مع مصطلح " خطف ثلاثة فتية" وهو يتطابق مع الرؤية الصهيونية.

إن أردنا وصف طبيعة العلاقة بين وكالة معاً والاحتلال الصهيوني، يتبادر إلى ذهننا العلاقة المميزة بين الكمبرادور الفاسد منيب المصري ورامي ليفني. فالمال والنفوذ هو المّكون الرئيسي لهذه العلاقة، وهو الذي يجعل واحداً ابن مخيم وأسير محرر كناصر اللحام يتعامل مع الإعلام كتجارة ومصدر لجني الأرباح ولغة من لغة المصالح، وفق رؤية إعلامية تسير على مبدأ ( ربحّني بزبطك)، ولا نود هنا الغوص في تفاصيل الموارد التي يتحصّل علينا من فضائية معاً "ميكس" أو من الإعلانات.

تلجأ وكالة معاً إلى خدعة خطيرة جداً وقد تكررت أكثر من مرة، وهي تعمد عن سبق إصرار وترصد، بالتعامل مع إعلانات مدفوعة من الاحتلال الصهيوني على أنها جزء من الأخبار التي تقوم بنشرها بشكل اعتيادي حتى تبعد الشبهات عن أن هذه الاعلانات ومصدرها صهيوني؛ فما الذي يجبر الوكالة على نشر إعلان لشرطة الاحتلال تطلب فيه المساعدة بالعثور على مفقودة إسرائيلية على هيئة خبر، إن لم يكن هدفه الأساسي هو إخفاء الحقيقة للجماهير بأنه مجرد إعلان إسرائيلي مدفوع .


ولأن الوكالة قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ولا تستجيب حتى هذه اللحظة للنداءات الوطنية بتغيير نهجها وسياستها، فإن مقاطعتها بشكل واسع وفضح سياستها وكشف حقيقة التعاون الإعلامي المشترك مع الاحتلال ضرورة وواجب.

الجمعة، 4 أكتوبر 2013

ملامح تسوية جديدة وقودها تنسيق أمني ومصالحة بين عباس ودحلان



أيمن أنور

بدأت رويداً رويداً تتكشّف خطوط وملامح المشهد الفلسطيني في المرحلة القادمة، بدءاً من قرب التوصل لاتفاق بين قيادة أوسلو والاحتلال الصهيوني فيما يُعرف بإعلان مبادئ جديدة " اتفاق أوسلو 2" ، وجهود حثيثة لإجراء مصالحة بين محمود عباس ومحمد دحلان، في ظل إجراءات غير مسبوقة لأجهزة أمن السلطة ضد المخيمات الفلسطينية، خاصة في جنين، ناهيك عن حملة تحريض إعلامية واسعة ضد قطاع غزة، تقودها قيادات من السلطة، ومواقع إعلامية قريبة منها.
الحديث يدور عن قرب التوصل إلى صفقة أمريكية صهيونية باتفاق مع قيادات السلطة على إبرام اتفاق طويل الأمد ، يتيح للسلطة إدارة شئونها الذاتية على الأجزاء الموجودة عليها أصلاً في الضفة مع ضم مساحة صغيرة من بعض البلدات والقرى التي ما زالت تحت السيادة الصهيونية، بالإضافة إلى تعزيز أواصر التعاون الاقتصادي عبر تعديل بسيط باتفاقية باريس الاقتصادية يتيح للسلطة استفادة جمركية بسيطة منها، أو بمجموعة جديدة من الامتيازات والمكاسب.
طبعاً، أساس الاتفاق قائم على ضم مساحة واسعة من أراضي المستوطنات في الضفة إلى مساحة دولة الكيان الصهيوني، وتعزيز العلاقة الأمنية بين قوات الاحتلال الصهيوني، وقوات أمن السلطة، يجبر الأخيرة على الالتزام بالاتفاقيات الأمنية المبرمة بينهم، وعلى رأسها استمرار التنسيق الأمني، والقضاء على المقاومة في مختلف مناطق الضفة. وهو ما يُفسر قيام السلطة بحملة واسعة ضد بؤر المقاومة التي شهدت في الآونة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في نشاطاتها واستهدافاتها ضد قوات الاحتلال الصهيوني. فقيام عشرات الجيبات العسكرية التابعة لأجهزة أمن الرئاسة الفلسطينية، والمخابرات والوقائي، المدربة أمريكياً وأردنياً باقتحام مخيم جنين قبل عدة أيام، ومداهمة البيوت فيه، واعتقال العديد من رجال المقاومة، وحتى ضرب النساء بشهادة العديد من أهالي المخيم، يصب في خانة أن السلطة في صراع مع الوقت لمنع أي منغصات من شأنها تعرقل عملية الاتفاق القريب.


وصف رئيس وزراء الاحتلال " بنيامين نتنياهو" ما يجري من مفاوضات سرية بين الطرفين بأنها لم تفضِ إلى شئ، يؤكد بشكل قاطع أن ملامح تسوية جديدة سيتم الاتفاق عليها في الأسابيع القليلة القادمة، ذلك أن التجربة أكدت أن الاحتلال عادةً ما يواصل ضغطه على الطرف الفلسطيني الضعيف والمستسلم حتى بعد الاتفاق، من أجل الحصول على المزيد من التنازلات، والذي يؤكد كلامي هو تقاطع حملات السلطة المسعورة ضد بؤر المقاومة، واعتقالها أكثر من مرة القيادات الرافضة للتسوية والمفاوضات وحتى قمعها في المظاهرات الأخيرة مع حملة اعتقالات واسعة واقتحامات للمدن والقرى والمخيمات تشنها قوات الاحتلال الصهيوني لنفس تلك القيادات فيما يُعرف بسياسة الباب الدوار.

        الأخطر في كل ذلك هو إقدام السلطة بعد التوقيع على الاتفاق على إعلان نهاية الصراع مع الاحتلال الصهيوني، واستجابتها للخطوط العامة التي سترسمها لها دولة الاحتلال، والتي تضمن استمرار دورة حياتها خدمةً للالتزامات المبرمة بينها وعلى رأسها محاربة المقاومة.

        يُدرك المفاوضون أن استمرار قطاع غزة بعيداً عن سيطرة سلطتهم، في ظل تسارع وتيرة نفوذ الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية وتسلحها بمختلف الأسلحة والعتاد، سيكون عامل كبح دائم لبسط اتفاقها على جميع " أراضي سلطة الحكم الذاتي"، الأمر الذي سيعزز من تأثير هذه الفصائل في الضفة المحتلة، وسيؤدي أخيراً إلى حدوث حالة من الحراك الشعبي الرافض لسياسة السلطة، وهو أمر قائم أصلاً الآن. فوجدت أفضل طريقة للتعامل مع هذا الملف الشائك هو إشغال سلطة حماس بحرب باردة بينها وبين السلطات المصرية، وسط غابة من التحريض الأعمى لم تطال حركة حماس وسلطتها فقط، بل جميع أبناء قطاع غزة.

لم تتعامل حركة حماس بذكاء مع هذا التحريض، بل ساقتها أصولها الدينية وارتباطها الوثيق بالأخوان المسلمين إلى معترك هذا التحريض السلبي من خلال فضائياتها التي أصبحت ناطقاً رسمياً باسم الأخوان المسلمين، فتشوهت صورتها أمام الملايين من الشعب المصري، فاستغلت السلطة وسفيرها في القاهرة هذا الموضوع في القيام بموجة هائلة من التحريض الأعمى ضد قطاع غزة، قادتها في الآونة الأخيرة وكالة معاً الإخبارية التي أصبحت بقدرة قادر ناطقاً رسمياً باسم سلطة أوسلو، وتمرر سياسات ممنهجة نقلاً عن مصادر مصرية وهمية وبتنسيق مسبق وكامل مع السلطة .

يتحمل ناصر اللحام مستشار عباس الإعلامي، و"أمين عام طائرة الرئاسة" المسئولية بشكل مباشر عن حملة التحريض الممنهجة ضد قطاع غزة، وصلت إلى حد تورطه المباشر في نشر التقارير والأخبار التي تفيد بقرب ضربة عسكرية مصرية لقطاع غزة، وقد بدأت وسائل الإعلام بالفعل نشر هذا الخبر نقلاً عن وكالة معاً. من الواضح أن اللحام بمشاركة من السفارة الفلسطينية بالقاهرة وسلطة رام الله، وبعض المسئولين المصريين من أتباع نظام كامب ديفيد، وبمشاركة دحلانية واسعة، يريد خلق أجواء توتر بين الشعب المصري وقطاع غزة، تمهد لضربة عسكرية صهيونية مباشرة للقطاع، تعيد السلطة سيطرتها عليه من أجل تثبيت اتفاق التسوية الجديد، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لمحاولات عقد مصالحة بين عباس ودحلان.
ارتباطاً بكل ذلك، وبأوامر أمريكية ودولية عليا تشن وكالة غوث اللاجئين حملة تقليصات وعقوبات ضد اللاجئين الفلسطينيين والمخيمات، من أجل الضغط عليهم وابتزازهم للقبول بحل تسووي جديد يفرط بحقوقهم.

إلى متى سيبقى شعبنا الفلسطيني دافناً رأسه بالرمال، محاصراً براتب السلطة، مستسلماً لعقيدتها الأمنية وبابتزازات المجتمع الدولي، والمؤسسات الأممية؟؟!!! الحاجة ماسة وضرورية لاختيار البدائل والوسائل الجذرية لخوض معركة شعبية شاملة تطيح بالسلطة وبرموزها، تتعزز خلالها أشكال المقاومة ضد الاحتلال، وتتوحد فيها القوى والفصائل الفلسطينية الشريفة وتقر خطة مواجهة شاملة، تصوغ من خلالها منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية بمساعدة أصدقاء الشعب الفلسطيني هدفها تعزيز صمود الناس كبديل عملي وحقيقي للسلطة ومواردها المالية.
الحاجة ملحة أيضاً لعقد مؤتمر حوار مصري فلسطيني شامل، بمشاركة ممثلي أطياف الشعب الفلسطيني والمصري والقوى والفصائل الوطنية والإسلامية، من أجل معالجة جميع الإشكاليات والخلافات القائمة، يتم خلاله عودة الأجواء التاريخية الإيجابية بين الشعبين، وفتح المعابر بين الطرفين وفق اتفاق مع الفصائل الفلسطينية. مؤتمر فلسطيني مصري مشترك يتصدى للمحاولات الخبيثة من الاحتلال و مسئولي نظام كامب ديفيد وزمر السلطة لدق اسفين بين الشعبين، ويتصدى أيضاً لمحاولات الأخوان جر قطاع غزة في أتون معركة خاسرة مع الشعب المصري.


( انتهى)