الثلاثاء، 26 فبراير 2013

عن البنادق التي فقدها الرجال



 أيمن أنور

لا توجد مجموعة قصصية فلسطينية تناولت رمزية نضال الشعب الفلسطيني وكفاحه كما وجدناه في قصة "عن الرجال والبنادق" التي كتبها الأديب الشهيد غسان كنفاني، ورغم أنها جاءت بصورة مقتضبة سريعة، إلا أن أحداثها جاءت مكتملة الحبكة القصصية لدرجة أننا نكتشف ملامستها لأحداث معاناة الشعب الفلسطيني وآثار هزيمة حزيران، وعلاقة الإنسان الفلسطيني العضوية والتاريخية بالمرتينة ودور القائد في إرشاد جنوده.

تحمل "عن الرجال والبنادق" قيمة كبيرة لا يشعر بها إلا من تمرد على شظف الحياة والمعاناة، وأراد أن يواجه ويحمل البندقية بإصرار وعناد وعزيمة جبال.

لم يكتفِ غسان باستعراض تفاصيل حالة الإلهام التي أصابت الفتى الشاب بمرتينة خاله فقط، بل يدعو لإشاعة مناخ هذه العلاقة بين الشاب والبندقية على الفلسطينيين كلهم، حيث يقول غسان " لو حمل كل رجل في الجليل عشرين فشكة واتجه إلى قلعة صفد لمزقناها في لحظة"، إنها ليست وحدها إرادة البحث عن المشاكل والاقتراب من المخاطر والتي وجدناها في الشاب، بل في نبوءة نستلهم منها بث روح الوحدة من  خلال العمل الجماعي المقاوم.

يحدثنا غسان عن جدلية العلاقة بين القائد ومقاتليه، وكأنه يحاول أن يشعرنا أن كل مقاتل قائد مستقل الإرادة وله مطلق الحرية في إرشاد نفسه حول ما يتوجب عمله، ويواصل السير في طريقه دون الانتظار أو التفكير ولو للحظة عن ما هية الدور الذي يمكن أن يلعبه القائد أو الأوامر التي يمكن أن يوجهها له.

نقل لنا الشهيد كنفاني صورة البندقية إلى مرتبة الشرف، واصفاً الرجال الذين يحملونها والذين يزحفون تحت العتمة بأنهم بناة شرف نظيف غير ملطخ بالوحل الذي وقعنا به في حزيران، ويراهن على هذه البندقية والمقاتل في مواجهة محاولات كبح الهذيان الذي أصاب الجميع بعد هذه النكسة.

يصف كنفاني البندقية كشجرة صغيرة يتم قصقصة عروقها، وسلخ فروعها منها ليطعم فيها فروعاً أخرى، يرقعها ويشذبها ويملأ نواقصها حتى تعود فتبدو كتلة واحدة من جديد، وهو بذلك يفسر لنا سر العلاقة التي نشأت بين خال الفتى الشاب ومرتينته، وهي التي جعلته يسميها مدفعاً.

ما نستخلصه من هذه المجموعة القصصية الهامة، هي أنها تصلح لأن تكون نهج لحياة المقاتلين، ونداء لهم بألا يتركوا البندقية فهي طوق النجاة الحامي من أي نكسات، وأن الإصرار على عمل أي شئ والمخاطرة به يجب أن ينم عن رغبة جامحة في التضحية من أجل الهدف المنشود. وهي بمجملها فرصة لنا لانتقاد من خرجوا علينا اليوم لنفي فكرة عمل مقاوم صغير ضد الاحتلال أملاً في استمرار التهدئة مع الاحتلال، أو من يرفضوا فكرة المقاومة أصلاً ويقوموا بتحييد البندقية وتركها فريسة للصدأ.
( انتهى)






الخميس، 21 فبراير 2013

في طريقنا للانتفاضة الثالثة




أيمن أنور

من المؤكد أن ما تتعرض له الساحة الفلسطينية من صدامات يومية مع واقع الاحتلال، على رأسها قضية الأسرى التي أشغلت بالنا، وألهبت مشاعرنا وأدمت قلوبنا، فضلاً عن هزليات أزمات السلطة المتتابعة، قد وضعتنا جميعاً في حالة انتظار حقيقية لمرحلة ما بعد الانفجار.
هذا الواقع المرير فتح الباب واسعاً للتكهنات والتساؤلات والأمل والترقب وحتى الانزعاج من بعض ضعيفي النفوس بيننا، أن تؤدي هذه التطورات إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة تتصاعد وتيرتها شعبياً حتى تصل لدرجة النضج الكامل إيذاناً ببدء حرب التحرير الشعبية للأرض الفلسطينية التي تعاني مرارة الاحتلال منذ سنوات طويلة.
من باب الاستدراك لا الرفض أتساءل إن كان هناك فعلاً بوادر لاندلاع انتفاضة شعبية فلسطينية ينخرط فيها الجميع، تضطر فيها الفصائل ومؤسسات المنظمة والسلطات والأجهزة الأمنية للانصياع لهذه الهبة الشعبية!!، هل العامل الموضوعي متوفر حالياً لنجاح هذه الانتفاضة؟ أليست معاناة شعبنا الفلسطيني مركبة وتحتاج إلى اتخاذ موقف حاسم ولا يقبل القسمة على اثنين من موضوعات السلطة، والأجهزة الأمنية، والانقسام، وفساد المؤسسات الرسمية وعدم تفعيلها، لا سيما منظمة التحرير الفلسطينية؟!!.

صحيح أن اندلاع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية أصبح مسألة وقت، بعد أن تبلورت الظروف الحالية وتحالفت القيادات الفاسدة المتنفذة، مع الأنظمة العربية العميلة، والتحالف الامبريالي الصهيوني لتشكل مصدر تهديد وخطر وإرهاب وعدوان إضافي على الشعب الفلسطيني المتخم بالجراح، إلا أنه من المبكر استنتاج أن هذا الوقت قريباً جداً، فكما أسلفت سابقاً العامل الموضوعي ليس متاح الآن للانفجار الشامل، على الرغم من حالة الحراك الشعبي التي تزداد وتيرتها ضد الاحتلال الصهيوني، بالإضافة إلى الاحتجاجات الشعبية الداخلية الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة جداً الناجمة عن اتفاقيات أوسلو العبثية.

هذا الأمر يربطنا بشكل تلقائي بثورة عام 1936، والتي للأسف لم نستطع حتى الآن استخلاص تجربتها الغنية، وإيجابياتها، وسلبياتها، من أجل البناء عليها في نضالنا المستميت ضد الاحتلال الصهيوني، والأديب الراحل الشهيد غسان كنفاني هو أول من أماط اللثام عن هذه الثورة، وفسرها وحللها لنا بصورة نقدية واضحة ليست بحاجة لفك لوغاريتماتها، بل للتأسيس عليها في إعادة البوصلة لنضالنا من أجل حريتنا وتحقيق أهدافنا.
في  دراسته عن خلفيات وتفاصيل ثورة عام 1936، يحمّلنا الشهيد كنفاني - في تفسيره عن أسباب فشل هذه الثورة في وصولها إلى أهدافها – أمانة ونبوءة حقيقية ورسالة إلى الأجيال القادمة لو دققنا فيها سنجدها هي نفسها الموجودة الآن وسبب عدم تحقق شرط انطلاقة حقيقية وشاملة للانتفاضة الشعبية الكبيرة التي يُنظر إليها أنها آخر انتفاضات الشعب الفلسطيني في طريقه لنيل حريته.

لقد وصل الشهيد كنفاني إلى خلاصتين مهمتين حرفتا بوصلة ثورة عام 1936، وهي نفسها التي انعكست على الأزمة الفلسطينية حالياً، فالخلاصة الأولى تحدثت عن هيمنة قيادات متنفذة مستفيدة واقطاعية وحتى قيادات دينية على الحركة الوطنية بأكملها، أما الخلاصة الثانية هي ارتباط مصالح تلك القيادات بتنامي المشروع الصهيوني وشراسة إجراءاته وممارساته ضد الشعب الفلسطيني.

هذا التحالف الدينامكي هو سبب التحولات التي صاحبت ثورة 36 والانتفاضة الأولى، والتي تم فيها الانقضاض على الثورة الشعبية في كلتا الحالتين، من إخماد القيادات الاقطاعية لثورة 36 تبعاً لمصالحها، وإلى انقلاب قيادة منظمة التحرير المتنفذة برئاسة حركة فتح وياسر عرفات على الانتفاضة الشعبية في الانتفاضة الأولى من خلال توقيع اتفاقيات أوسلو، وهو الأمر الذي أدخلنا في دوامة وصراع تناحري داخلي ما زلنا نعاني منه الآن.

حينما يتم ترميم هذا الخلل الذي صنعته تلك القيادات فينا، وعندما تتخذ الجماهير الشعبية الفلسطينية قراراً جريئاً وواعياً بإسقاط تأثيرات وأدبيات اتفاقية أوسلو على عقولها وتفكيرها، بما يعيد الاعتبار لتجربة الكفاح الشعبي طويل الأمد ضد الاحتلال بمختلف الأشكال، وانسجام الذات والفصائل والمؤسسات في عملية متواصلة لمحاربة ودحض أوهام عملية التسوية ومفرداتها الخبيثة، وعندما نُعطى فرصة لمبدأ العدالة الاجتماعية لتشكل منهج حياة لنا في مواجهة الفساد المستشري، وعندما نتوحد جميعاً في مواجهة مخططات تصفية حق العودة، واستثمار معاناة الأسرى، عند تحقيق كل ذلك أنا متأكد أن الباب سيفتح على مصراعيه أمام انتفاضة شعبية ثالثة نقية وخالية من سلبيات التجربة الفلسطينية ستكون الانتفاضة الشعبية الأخيرة والفاصلة ضد الاحتلال الصهيوني وأعوانه.


الجمعة، 15 فبراير 2013

سيريالية مواقف "حماس" الأخيرة



أيمن أنور
يحق للكاتب والشاعر والروائي والفيلسوف الفرنسي " أندريه بريتون" أن يفتخر ويطمئن في قبره، فقد وجد في مواقف قيادات حركة حماس الأخيرة، تجسيداً عملياً ودقيقاً لثقافة "السيريالية" التي أسسها، ودعا واجتهد لها، فها هي الحركة أخيراً تتخذ مواقفاً غريبة ومتناقضة ولا شعورية، بعيدة كل البعد عن الحقيقة، مفعمة بالأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام، وخلق أبطال وهميين ووصفهم بأعظم الأشياء، وفي سياق هذا الموقف أطلقت العنان لسرياليتها هذه لتجسيدها على علاقتها بالمسخ " دولة قطر".
في سياق ذلك، يتُحفنا المستشار السياسي لحكومة حركة حماس " أ.د.يوسف رزقة" بمقالة جديدة له نُشرت على صحيفة " فلسطين" التابعة لحركة حماس، بعنوان " قطر الدولة الشابة عربياً"، ليضفي طابعاً ملائكياً على الدولة الصغيرة في كل شئ، والمثيرة للجدل.
نفهم أن طبيعة العلاقات الدولية التي تحركها لغة المصالح والمنافع، هي التي جعلت حركة حماس تغير تحالفاتها، وتذهب بعيداً لتجد نفسها في حضن المحور المهادن، والمتورط في الفوضى التي تشهدها المنطقة العربية وعلى رأسها ربيبة أمريكا " قطر"، لكننا لا يمكن أن نفهم لغة الإفعام في مديح "قطر" للدرجة التي يتناولها " الأستاذ رزقة" في مقالته الأخيرة، حتى ظننا أن نبياً جديداً سيخرج من باطن الأرض القطرية، ليعلن قيام "دولة الأخوان المسلمين الإسلامية العظمى" من بين براثن القواعد الأمريكية في الدوحة، وبمباركة شيخ الناتو والنفط " يوسف القرضاوي".

قليلاً من العقلانية والدبلوماسية والحكمة كافية للتعبير عن التحالفات السياسية مع دولة قزم كـ"قطر"، لكن مديحها بلغة بعيدة عن العقل والمنطق، وجر عقولنا إلى تبني الفواقعية، أي الأشياء" البعيدة عن الواقع" ليس في صالح أو وزن حركة حماس، وسينعكس عليها سلباً عاجلاً أم آجلاً.

يحاول " الأستاذ رزقة" أن يقنعنا إجبارياً من خلال موقف "قطر" الأخير بتسليم مبنى سفارة سوريا لما يسمى "الائتلاف الوطني" العميل، وتقبل أوراق أول "سفير سوري" يمثل ما يسمى " الثورة السورية" بأنها دولة أمينة على ثوابت وحقوق المواطن العربي، بل والأكثر غرابة في ذلك هو وصف "قطر" بأنها أكثر الدول العربية حيوية ونشاطاً وشباباً في الفترة التي سبقت ما يسُمى "الربيع العربي"، وفي أثنائه. قد يكون هذا الأمر صحيحاً ولكن يجب أن يُنظر إليه في إطار الجانب السلبي، فلم تدخر هذه الدولة المسخ والعميلة والمرتدة عن ثوابت شعوبنا وسعاً أو وسيلة إلا نفذتها وما زالت في تسليم مقدرات وخيرات أمتنا العربية للاستعمار الغربي، ولا أظن أن حركة " حماس" بعيدة عن هذه الحقيقة، وتدركها جيداً، ومستعدة أن تدفع استحقاقها وتدافع عنها حتى النهاية، طالما أنها تحصد منافع ومكاسب تحصن نفسها به من أي انحسار للحركة الشابة التي عززت نفسها في الشارع الفلسطيني وأصبحت لاعباً كبيراً في النظام السياسي الفلسطيني.

يتعزز لنا الاعتقاد بسيريالية لغة الأستاذ " رزقة" في مصطلحات كثيرة عزز فيها مقالته الأخيرة، كأنها رسالة ممولة ( AID) هدفها لفت الإشارة إلى هذا المديح، من أجل إعادة ملئ الكيس من جديد، ومن هذه المصطلحات وصف قطر بأوصاف لا يمكن أن تنطبق على أي دولة في العالم، وكأنها دولة في كوكب بعيد عن مجرتنا وخالية من المشاعر والأفعال السلبية مثل " الحيوية القطرية القادرة على التأثير في سياسات الآخرين، ودفعهم إلى القيام بخطوات مماثلة"، نفهم من ذلك أن هذه الحيوية قد أثرت فعلاً في سياسات الآخرين مثل حركة " حماس" ودفعتهم إلى الدخول في هذا المحور!! أليس كذلك أستاذ " رزقة"، لقد نطقتها وأنت لا تعرف فالسيريالية دائماً ما تكون مركبة بعيدة كل البعد عن أي تحكم خارجي أو مراقبة للشعور أو الممارسة من طرف العقل، فيخرج الموقف الصحيح فجأة دون أن يكون هدفه إماطة اللثام عن الخطايا، ويُوضع في الموقع الخاطئ، كما حدث معك في وصفك لقطر وسحرها.
اعترافك بأن "قطر" تملك فائضاً من المال والثروة، والإدارة والقدرة السياسية للتواجد على خريطة الوطن العربي والشرق الأوسط، موظفة المال والسياسة في خدمة مصالحها وتفعيل دورها السياسي الشاب، ينقصه مكان توظيف هذا المال، وهدفه، ولمصلحة من، فهل تمتلك الجرأة عزيزي أستاذ "رزقة" أن تتحدث بمصداقية حقيقية بأن "قطر" توظف هذا المال والثروة، وقدرتها السياسية في خدمة المشروع الأمريكي في المنطقة؟! هل لديك القدرة على كسر القيد الذي يحيط بضميرك للاعتراف بأن وجود حركة " حماس" ضمن هذا المحور الخياني الخالي من الديمقراطية، والوطنية خطأ استراتيجي قاتل ستحصده حماس قريباً؟!!، طبعاً، لا لن يستطيع الأستاذ " رزقة" الاعتراف بذلك قريباً، فالأمر مرتبط بصدمة تصيب حركة "حماس" من استمرارها ضمن هذا التحالف وهو لن يكون بعيداً.

لم يكتفِ الأستاذ " رزقة" في مقالته بالبحث عن لغة " السيريالية" بل ضرب موعداً مع الهزلية حينما أشاد بالطبل القطري " أمير قطر"، واصفاً إياه بأنه أول رئيس دولة عربية يزور قطاع غزة، ويلتقي قادة حماس، غير مبالٍ بالانتقادات الصهيونية وغيرها!!! وأنا متأكد أن هذا الوصف سيكون معاكساً لو كان زيارة أمير قطر لرام الله مثلاً، فضلاً عن أن هذه الهزلية مرتبطة بحقيقة ثابتة ومترسخة في عقول السواد الأعظم من أبناء شعبنا الفلسطيني، حتى الأطفال منهم، وهي أن هذا " الطبل القطري" العاق لوالده ما هو إلا عميل أمريكي للغرب، فهل تنكرون ذلك؟!!.

لا نريد أن نصف دفاعك الحثيث عن أن " قطر" بريئة عما يجري في مصر بأنها نابعة عن " ضحالة سياسية" احتراماً لعامل السن بيننا وبينك، بل نقترح أن تكون " تمويه" من قبلك لما يجري من هتك عرض مصر وذبحها من الوريد للوريد من قبل قطر، وبمساعدة جماعة "دوللي شاهين" أو ما يطُلق عليهم" الأخوان المسلمين"، فدفاعك عن أن قطر ليس لها يد فيما يحدث في مصر دعابة لن تستطيع إضحاك أحد.

وعطفاً على جملتك الأخيرة في المقالة والخاصة بما يسمى " الاستثمار القطري" في العالم، ونموذج " الدولة الشابة" الذي أرهقتنا به، وتفوقها على " الجغرافيا المحدودة، وعلى عدد السكان" كما زعمت، نابع عن نظرية استثمارية خاطئة تستهويكم، وهي أن "قطر" ستستمر للأبد في دعمكم، والإنفاق على حكمكم " الرشيد" في غزة بسخاء بالغ، فكما تأخذ " قطر" مقابل هذه الأموال، ستمنعها عنكم للأبد بعد أن تصبحوا ورقة محروقة، ونحن نتمنى دائماً أن تكونوا ورقة رابحة في خدمة المقاومة، وليس في خدمة قطر ومشروعها.

(انتهى)