الاثنين، 6 يونيو 2011

رسالة للشباب.. حق العودة هو المدخل للدولة الفلسطينية





وصلني عبر البريد الالكتروني مبادرة جديدة أطلقتها مجموعة شبابية فلسطينية تحت مسمى "المبادرة الشبابية العالمية لدعم قيام الدولة الفلسطينية"، هدفها حشد وتأييد المجتمع الدولي والعالم الحر بالدولة الفلسطينية "العتيدة" المزمع الإعلان عنها في أيلول- سبتمبر/2011 القادم.
لم أشأ الانتقاص أو التقليل من أي جهد شبابي مبذول أو مبادرة شبابية فلسطينية تحمل عناوين وآراء خاصة، فحرية الرأي والتعبير يجب أن تكون مكفولة، وللشباب بمختلف أطيافهم الحق في أن يكون لهم دور بالحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية، بصفتهم الجزء الأصيل والمكون الأساسي للمجتمع الفلسطيني، والرافد الأساسي الثابت لنضال الشعب الفلسطيني وثورته من أجل الحرية والاستقلال، ولكن ليس من حقهم إطلاق مبادرة فضفاضة ركيكة لا تحمل أي مصوغات قانونية أو أبعاد واضحة شاملة عن القضية الفلسطينية تخاطب بها العالم وتستهدف الضغط والتحشيد عليهم من أجل قيام دولة فلسطينية على حدود الأراضي المحتلة عام 1967.

ولأن آخر ما ينشغل به المجتمع الدولي والعالم الحر المبادرات المحشوة بالجمل العاطفية والمناشدات والدعوات، فإن المبادرة بشكلها الحالي لا تصلح لأن تكون توافقية بين مجموعات شبابية تريد الضغط من أجل تنظيم فعاليات معينة والتظاهر والاعتصام أمام السفارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، فقد أعطيت أكبر من حجمها ولا تستحق حتى أن تكون مبادرة لإعلان دولة الموز، وهنا نتساءل بجدية عن الجهات التي تصيغ هكذا مبادرات والتي يثبت عدم درايتها بالمعطيات التاريخية والجغرافية والقانونية وحتى الأخلاقية للقضية الفلسطينية، فيبدو من صاغها مشدوه بأفكار مؤسسات الأنجئوز التي تدعو للسلم الأهلي والمهادنة والكرامة وتحقيق السلام العادل...إلخ.
ما يهمنا جميعاً كفلسطينيين ألا تنحرف البوصلة عن أهدافنا الإستراتيجية التي ناضلنا من أجلها وخسرنا الغالي والنفيس ودماء أبناءنا من أجل تحقيقها، لا نطلب من المبادرين لهذه المبادرة أن يعتمدوا في مبادرتهم على بنود الميثاق الوطني الفلسطيني الأساسي وهو البرنامج الاستراتيجي الشرعي الوحيد لنضال الشعب الفلسطيني لتحرير فلسطين، والذي تحايل عليه السيد عرفات عام 1996 خلال مسرحية استعراضية حضرها الرئيس الأمريكي " بيل كلينتون" في غزة، حيث قام بحذف وتعديل مواد مهمة من هذا الميثاق، بل نريد إجابة شافية واضحة منهم عن مفهوم إعلان ما يسمى الدولة لديهم وعلى أي أساس، وهل هناك آليات عمل حقيقية يمكن المراهنة عليها نستطيع من خلالها الضغط والتحشيد على المجتمع الدولي، دون انتقاص بالأهداف الاستراتيجية للشعب الفلسطيني!!!. وهل التظاهر أمام السفارات الأمريكية ( وأنا أؤيده تماماً) سيشكل حالة إيجابية دون المبادرة بإصلاح البيت الفلسطيني وانتقاد الذات، وإجراء عملية تقييم لتجربتنا النضالية بسلبياتها وإيجابيتها، الأمر الذي يؤكد ضرورة استباق التظاهر أمام السفارات الأمريكية، بالتظاهر أمام السفارات الفلسطينية والعربية، لأنها ببساطة أخفقت في ترجمة رسالة الشعب الفلسطيني التي عُمدت بالدماء ومطالبه.
المبادرة لا تختلف كثيراً عن برنامج السيد فياض لاستحقاق الدولة في أيلول ورغم تصريحاته المعلنة أمام الكاميرات أنها واجبة الإعلان على حدود الـ 67، إلا أن تصرفاته وتصريحاته الأخيرة لجريدة هآرتس تكشف عن أنه ليس لديه أي مشكلة في تعزيز دور السلطة وبناء مؤسسات الدولة على 30% من أراضي الضفة الغربية، بدون الأغوار، وبدون الأراضي المقام عليها الكتل الاستيطانية الضخمة، وقرى فلسطينية واقعة في مناطق ب، وج والموافقة على تبادل أراضي، وهنا المشكلة الأساسية التي تقاطعت فيها هذه المبادرة الشبابية مع برنامج فياض، فلا غرابة مثلاً أن يتفق المبادرين على اعتماد مدينة الروابي عاصمة لهذه الدولة بحجة التوافق مع رغبة المجتمع الدولي باستقرار الأوضاع ( هذا ليس من عندي، المقامرة في لعبة السياسة دائماً ما ينتج تنازلات، فكيف بمجموعات شابة لا يُعرف لسان حالهم هدف منظم أو جهة وطنية مباشرة ترعاهم، وهنا نطرح السؤال: من وراءهم وما هي أهدافهم!!!).
فضلاً عن أن المبادرة لم تتضمن كلمة " مقاومة" واحدة، وهي التي أقرتها الشرعية الدولية ولم ترفضها أصلاً، ولم تشير إلى الصهيونية ورفض العالم لها وهذا مثبت بقرارات الشرعية الدولية، ولم تربط أيضاً القضية الفلسطينية بأنها جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير،  فإن بها مغالطات ربما زرعت داخل المبادرة بقصد، على سبيل المثال فإنهم غالطوا أنفسهم عن قصد في تصريحات الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" والتي أشاروا فيها إلى تراجعه عن الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة، دون أن يقوموا بتوضيح أسباب هذا التراجع والتي ربط فيها موضوع الدولة باتفاق بين الكيانين " كيان السلطة المتنفذة وكيان الاحتلال"، يتم فيها عملية إجراء عملية تبادل أراضي ولقد أعربت بعض الشخصيات المتنفذة من القيادة الفلسطينية ومن بينها المريض ياسر عبدربه عن استعدادها لقبول هذا الحل، والأخطر من ذلك التلاعب بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين واشتراط عودتهم داخل حدود هذه الدولة المسخ، وهنا مربط الفرس، وهو الأمر الخطير، الذي جعلني أبادر بالتعليق على هذه المبادرة الشبابية.
صحيح أنني من الذين يؤمنون بأن معركتنا مع الاحتلال الصهيوني هي معركة وجود - معركة ضد احتلال استيطاني كولنيالي إرهابي عنصري- وأعتبر أن التوافق على مبدأ مرحلية الصراع مع هذا الاحتلال الفاشي خطأ جسيم ارتكبته الحركة الوطنية الفلسطينية، والتجربة أكدت استحالة قيام دولتين فلسطينية "وإسرائيلية" على هذه الأرض، وأنه لا دولة فلسطينية دون اندحار المشروع الصهيوني وزواله عن أرضنا، فإنني أدعو هؤلاء الشباب أن يتشبثوا بالحد الأدنى من حقوقنا الوطنية التي أقرتها الشرعية الدولية ( طبعاً أنا من الشباب الذين لا يثق في تحقيقها يوماً) لتكون أساس لمبادرتهم التي سبق وأن قلت أنها مبادرة أكدت على هدف جزئي من أهدافنا تم تعميمه كهدف رئيسي واستراتيجي ( وهو استحقاق أيلول) وهذه خطيئة كبرى وقع بها هؤلاء الشباب.
لم تخاطب المبادرة قلوب الأحرار في العالم عن طريق تذكيرهم بأهمية تطبيق قرارات الشرعية الدولية المنصفة لشعبنا ومن بينها إلزام دولة الاحتلال بتنفيذ القرار 194 ( قرار حق العودة والتعويض)، وإنما خاطبت عقول السياسيين الذين ينتظرون توجه القيادة الفلسطينية للأمم المتحدة من أجل الإعلان عن الدولة الفلسطينية إما للاصطفاف بجانب دولة الاحتلال ورفض هذه الفكرة، أو الاعتراف ضمناً بهذه الدولة، وعدم تطبيق بنود أخرى مرتبطة بهذا الاستحقاق، وهو الخطر الكبير الذي حذرنا مراراً وتكراراً منه والذي يستهدف قضية اللاجئين، وهو ما نلاحظه بشكل واضح في تصريحات القيادة الفلسطينية المتنفذة مروراً بالدول الأوروبية والغربية، وبانسجام التحركات الشبابية الفلسطينية مع هذا المخطط الخطير وهو ظهر واضحاً في هذه المبادرة.
باختصار، إن التطبيل الدائم وصم آذاننا واستهبال عقولنا باستحقاق الدولة القادم، واستحداث مسرحيات ومبادرات من أجل تمييع الحقوق الوطنية الفلسطينية، لن يقبله فلسطيني واحد يؤمن بحقه في تقرير مصيره والعودة بغض النظر عن قيام هذه الدولة أم لا، فالقرار الأممي رقم 242 المؤرخ في 22 تشرين ثاني عام 1967 واضح وضوح الشمس للذين أصابهم العمى، فهو ينص على "ضرورة سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها عام 1967،  وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين قائم على أساس (حق عودتهم إلى أراضيهم التي هجروا منها قصراً، وحقهم في التعويض حسب قرار 194).
فالحذر.. الحذر من أن يكون إقرار استحقاق الدولة القادمة في جنبات الأمم المتحدة والتهليل الفلسطيني به مقدمة للتآمر على حق العودة من خلال تكريسه كقضية إنسانية فقط على حساب الطابع السياسي لهذه القضية الهامة والخطيرة، مما يستوجب ربط أي استحقاق للدولة بهذا الحق، فالدولة وحق العودة واجب تنفيذهما كحزمة واحدة في آن واحد دون إبطاء، وإلا على القضية السلام وهذه رسالة مهمة للشباب".
من هنا كان من الضروري على المبادرين لهذه المبادرة الشبابية تأجيلها، لحين استخلاص الدروس من مبادراتهم المتراكمة الفاشلة " الشعب يريد إنهاء الانقسام" " الشعب يريد إنجاز المصالحة" ، فلا تحقق انهاء الانقسام ولا أنجزت المصالحة حتى الآن، وأنصحهم بقراءة دراسة " ثورة 36" للأديب الراحل غسان كنفاني والتي تحمل تحليلاً دقيقاً ووافياً عن حقبة ثورة زاخرة بإيجابياتها وسلبياتها.
 رغم ذلك، ومن وجهة نظري فإنني لا أنظر للدولة الفلسطينية القادمة من منظور مرحلي قائم على الـ 67، وأوافق الشهيد الحي ناجي العلي في ثوابته التي لا يتصور فيها دولة فلسطينية إلا في كل الخارطة الفلسطينية، وتأكيده من خلال مبدأيته الصادقة بأن الدولة التي لا تشمل قريته (الشجرة) ليست دولة، ولهذا رفض فكرة المرحلية رفضاً باتاً، حيث قال ناجي " لا" في عصر " نعم"، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وليس بالجالاري يا شباب.