السبت، 23 يناير 2010

دعونا نحارب معاً

أبو كنعـــــان

ليس غريباً أن يعبر أحد الكتّاب عن وجهة نظره الخاصة بالشأن الفلسطيني، حتى وإن غلفها بنظرة فئوية وحزبية، بعيداً عن الروح الوطنية الشاملة، التي تعتبر ترياق الحلول ومفاتيح للأبواب المغلقة بإحكام من أطراف اختزلت الوطن بفصيل ما، أو سلطة أو جماعة.

طالعتنا الكاتبة الفلسطينية " لمى خاطر" بمقال بعنوان " دعوا الجبهة تحارب"، ومع تأكيدي مرة أخرى احترامي أي آراء نقدية هادفة تكون بلسماً شافياً لعليل ما، إلا أنني لا ألمس في كتابات " الكاتبة لمى خاطر" إلا موضوعات توتيرية طابعها كيل الاتهامات جزافاً للآخر.. وتفسيري للآخر "الكل الوطني"، التي دأبت الكاتبة على شيطنتهم "ككفار قريش"، في مقابل ملائكية فصيلها الواحد " المهاجرين والأنصار" !!!!

ولأننا أصحاب مبدأ ثابت – مبدأ "الحقيقة كل الحقيقة للجماهير" – سأتناول برؤية وطنية توافقية بعيداً عن أي شحن تناحري فصائلي ما تناولته الكاتبة في مقالتها، حتى أظهر للجميع العديد من التناقضات المعرفية في الشأن الفلسطيني التي وقعت بها الكاتبة من جهة، ومن جهة أخرى أوضح عدم دراية الكاتبة ببرنامج الثوابت الفلسطيني السياسي، والمنهج الثابت الذي يتأسس عليه أي حزب سياسي فلسطيني يقاوم الاحتلال، وبالفكر الذي يستمده في ممارسة نشاطه النضالي والاجتماعي والسياسي على الأرض، والجميع يعرف ماذا يحدث لو اختل برنامج هذا الحزب ومنهجه الثابت وفكره، فإنه سينتج حلولاً جزئية، وتنازلات " كفكرة الدولة المؤقتة، وهدنة طويلة الأمد مع الاحتلال تستمر عشر سنوات"، وربما إن سقطت قواعد وأساسات هذا الحزب جراء هذا التخلخل فعلاً وفكراً وممارسة ومنهجاً فإنه سيقوم بإلغاء ميثاقه القائم على تدمير " إسرائيل" ويقبل بوجودهم، ؟؟!!!!، مع استمراره طبعاً طرفاً بسلطة أضحت مياه راكدة للشعب الفلسطيني تجر للشعب الفلسطيني الآلام والانقسام، والفساد، والتنسيق الأمني، والرؤى التي تقتص منجزات شعبنا الفلسطينية.

كلماتي ليست شعارات ولكنها سرد واقعي فعلي أغفلته وتغفله الكاتبة دائماً، ولعلها في مقالتها التي هدفت من خلالها مهاجمة الجبهة الشعبية، قد وقعت وهي لا تدري في خطأ كبير، فهي تدافع عن " التهدئة" و" الهدنة"، بل وتعتبر الخروج عنها ورفضها، خيانة لأبناء شعبنا !!!!، ولذلك فإن المشكلة ليست في مشكلة فصيل بعينه أو مواقفه وصنيعه على الأرض كما تدعّي الكاتبة، فلقد اعترفت الكاتبة فعلاً في مقالتها " أن المقاومة ما زالت القيمة الوطنية الأكثر ألقاً والأكبر حضوراً في الوعي الفلسطيني رغم كل محاولات الإماتة والتمييع" .

سؤالي هنا: أليس التعرض للمقاومة والمقاومين، واحتجازهم في المراحيض وإهانتهم وشتمهم بألفاظ نابية هو إماتة لنضال شعبنا ومقاومته، وجزء من حالة التمييع التي يمارسها فصيل بعينه على الفصائل الأخرى ؟؟؟.

إن موقف الجبهة الشعبية ثابت فكراً وفعلاً وممارسة على الأرض، وإن سياسة التقليل من دور وحجم أي فصيل هي نزعة مريضة، هدفها إعلاء حزب بعينه على فصيل آخر، وكنت أتمنى من الكاتبة أن تدقق ملياً فيما تكتب، حتى تكتشف الكم الكبير من سمفونية التناقض في مقالتها فالكاتبة في احدى عباراتها تبدي رغبتها في مقاومة شاملة وحقيقية، وهذا بالطبع لا يتحقق إلا بجبهة مقاومة فلسطينية موحدة تشارك بها جميع فصائل العمل الوطني، طالما دعت الجبهة الشعبية لها دائماً في جميع المحافل ولقاءات الفصائل، ولكن الكاتبة في نفس الوقت تناقض رغبتها هذه باعتبارها أن " حماس" هي الطرف الذي يستحق أن تكون له الكلمة الأولى فيما يخص إدارة المقاومة وتقرير أوقات التصعيد وأشكالها، هذا تفكير شيطاني، لأنه بشكل طبيعي ينزع صفة الاستحسان عن شهيد مقاتل من فصيل آخر استشهد في معارك التصدي للعدوان الأخير على قطاع غزة، في مقابل استحسان شهيد من " كتائب القسام" استشهد أيضاً في هذه المعارك.. إن الموقف والاتجاه الصحيح الذي يجب أن تسلكه الكاتبة في كتاباتها هو أننا بالوحدة الميدانية الحقيقية على أرض الميدان، وبمشاركة باقي فصائل العمل الوطني، نستطيع فقط مواجهة الاحتلال، وأن إدعاء فصيل بعينه أنه صاحب الرصيد النضالي الأكبر لا يرقى للمسئولية الوطنية، ولا يعبر عن قيم وثوابت شعبنا.

ولأن الجبهة الشعبية تميزت بعمق تحليلها للواقع، ولثبات استراتيجتها النضالية والكفاحية، دأبت دائماً على رفض كل الخطوات الجزئية والمبادرات والمعاهدات، وهذا كان موقفها دائماً على مر تاريخها، رفضت اتفاقية أوسلو واعتبرتها كابوساً مظلماً حالك السواد على شعبنا، سيؤدي لحدوث حالة انحدار في المشروع الوطني الفلسطيني، وحدث ما توقعت به الجبهة فعلاً،فها هو شعبنا يدفع فاتورة هذه التسوية دماً وألماً ومعاناة، ونفس الموقف عبّرت عنه الجبهة في موضوع التهدئة أو الهدنة مع الاحتلال، واعتبرته ضاراً بالشعب الفلسطيني، واعترافاً بالاحتلال، وأكدت مراراً وخطأت هذه الخطوة ، وتساءلت أكثر من مرة في اجتماعات الفصائل عن صوابية هذه الهدنة أو التهدئة في ظل استمرار الاحتلال، واعتداءاته وممارساته على أبناء شعبنا، فالعدو الصهيوني عودنا على جرائمه في ظل تهدئة أو بدونها، وأدعو الكاتبة أن تدقق جيداً في أفظع الجرائم الصهيونية ضد شعبنا، ستجدها حدثت في أوقات هدنة أو تهدئة معلنة أو سرية مع الاحتلال.

ورغم ذلك، أخذت الجبهة الشعبية مصالح الناس وهمومهم بعين الاعتبار، وأبدت استعدادها للمشاركة مع الفصائل في نقاش معمق حول أنجع الطرق لإيذاء الاحتلال، وفي نفس الوقت التخفيف من معاناة الناس، بل وقدمت حلولاً عملية لتحقيق هذا الهدف من خلال جبهة مقاومة موحدة تشارك بها جميع الفصائل المسلحة، ومن خلال هذه الجبهة تحدد تكتيكات المقاومة متى وأين وكيف نقاتل، ولكن للأسف حركة حماس تتحمل المسئولية الكبرى في عدم تحقيق وحدة هذه الجبهة، من خلال هيمنتها الفئوية والفردية على مقاليد الأمور في غزة، وأيضاً من خلال سعيها لعقد تهدئة مع الاحتلال لتعزيز سلطتها، وللأسف تحقق هذا من خلال كبحها للمقاومة، ولذلك فإن الموضوع لا يتعلق بحجم وإمكانيات وتضحيات هذا الفصيل أو ذاك، بل يتعلق بحفاظ هذا الفصيل على ثوابته وبرنامجه وأهمية عدم انحراف بوصلته.

كما أستغرب وصف الكاتبة معركة التصدي للعدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، أنها معركة دارت رحاها بين " حركة حماس" و" الاحتلال"، إن هذا الحديث يدمي القلب، فأين تضحيات وبطولات باقي فصائل العمل الوطني في هذه المعركة ؟؟!!! وكأن أرض البرتقال الحزين، والزيتون التي أنتجت على مدار التاريخ الفلسطيني النضال مقاومين من كافة التوجهات والتنظيمات أنجبت لوناً واحداً أخضراً !! إن هذا الرأي مرفوض ومدان، ولا يعبر عن طبيعة المعركة على الإطلاق. إن المعركة التي خاضها شعبنا ضد الاحتلال وجرائمه في قطاع غزة قبل عام، هي معركة التصدي والصمود، قدّم خلالها شعبنا بكافة أطيافه ملحمة أسطورية في الصمود، ولذلك الحديث عن انتصارات لفصيل مسلح على الاحتلال مبالغ فيه، فما حدث في غزة " مصيبة كبيرة" ضد شعبنا ومقاومته، والمنتصر الحقيقي في هذه المعركة " صمود وصبر وتحدي" شعبنا فقط، فلا داعي للمغالاة من قبل الكاتبة أو أي كاتب آخر في هذا الانتصار الوهمي.

عودتنا الكاتبة في مقالات عدة أن تطرح سؤالا ً للفصائل عن مقاومتها في ساحة الضفة وللأسف تستثني حماس من هذا الموضوع، ورغم الاستهداف المستمر من الاحتلال الإسرائيلي للمقاومة، وملاحقات الأجهزة الأمنية، واستمرار التنسيق الأمني، إلا أن فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس تتحمل جزءاً رئيسياً من خلو ساحة الضفة من المقاومة، فما الذي يمنع حركة حماس وفصائل المقاومة من شن هجمات على العدو في ظل وجود قوات أمن للسلطة ضعيفة لا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها، وفي ظل الطبيعة الجغرافية والاحتكاك المستمر مع العدو الإسرائيلي!!! سؤال يجب الإجابة عليه، من واجبنا كفلسطينيين أن نعبر عن مشكلاتنا وأخطائنا بصراحة شديدة، ويجب أن نتقبل النقد، ولا يجب أن نبتعد لنتمسك بمبررات ثانوية وواهية عن أخطائنا، وممارساتنا، فالمقاومة الفلسطينية التي اتسمت بالتنسيق المشترك في الضفة الفلسطينية وإيذاء الاحتلال، ومخيم العين مثال على ذلك مرت بأوقات عصيبة أكثر صعوبة من الذي تواجهه الآن، واستمرت بزخمها ومن ردها على جرائم الاحتلال، ولكن الآن أين هي المقاومة .. ولماذا نعلق فشلنا على شماعة أمور ثانوية ؟؟؟؟

لم يكن مبتغاي التشفي بسلبيات أحد، ولكني هدفت أن تقوم الكاتبة باستخلاص العبر من استمرارها وتوجهاتها السياسية التي أحترمها طبعاً، ولكن أتمنى أن تراعي المصالح الوطنية على المصالح الفئوية والحزبية الضيقة، فمن الواجب علينا أن نقوم بترقيع عيوبنا الداخلية أولاً، قبل أن ندعّي وجود عيوب للآخرين لترقيعها.

متى تبدأ الكاتبة من خلال مقالاتها أن تطرح أسئلة ذات قيمة و معنى يمكن أن يستفيد منها الآخرون، لا أن يمتعض من عدم جديتها ومن هدفها؟ متى سنكسب بالنقد الناس ونعالج مشكلات حقيقية؟!!

الوطن يحتاج منا الكثير، ولا يحتاج لموعظة دينية فحسب من هذا وذاك، بل لعقل يستشرف آراء الآخرين، وهمومهم، وينبذ خلافاتهم، ويصون وحدتهم، ويعيد الكرامة لهذا الوطن، التي فقدت من النزاع على سلطة وهمية، ومن التشبث بالمصالح الفئوية الضيقة، ولذلك علينا أن نحارب جميعاً معاً، وهذا كان هدف الجبهة دوماً فهي ليست ذاك الفصيل الذي يقاتل وحده ويغفل نضال الآخرين أو يتجاهله، ولكن قبل أن نحارب الاحتلال معاً، يجب أن نحارب أخطائنا وذنوبنا.

ُُ ( انتهى)