الخميس، 29 سبتمبر 2011

استحقاق أيلول زواج عرفي سينتهي بانفصال طرفه الأساسي








قد يكون خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة أمس الجمعة جيداً ودغدغ عواطف الكثيرين وأثار حماستهم، ولم يتوقعوا أن يخرج بهذه الصورة التي خرجت عليه. وللوهلة الأولى حاولت الجهات المنظمة لفعاليات " استحقاق أيلول" تصوير الخطاب وكأنه ملحمة بطولية دشنها الرئيس، فاستحقت أن يخرج من أجلها الآلاف إلى شوارع الضفة الفلسطينية المحتلة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وعلى حركة الجماهير ) كنت أتمنى أن يخرج ربعها من أجل الأسرى).
من وجهة نظري كان الخطاب متوقعاً، لم يتراجع فيه الرئيس قيد أنملة واحدة عن برنامجه السياسي الذي يثير حفيظة الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني، وكان بديهياً أن يسرد معاناة شعبنا الفلسطيني وما يتعرض له من جرائم على أيدي الاحتلال، رغم ذلك فإن الاستناد إلى معاناة وعذابات شعبنا فقط لا تكفي وحدها، كان يجب أن يتضمن خطابه مدحاً لمقاومة شعبنا عبر مسيرة نضاله ضد الاحتلال وللبندقية التي جاءت بالرئيس عباس إلى مقر الأمم المتحدة نفسه كرئيس لمنظمة التحرير التي قدّمت الآلاف من الشهداء.


كان من الممكن أن يكون خطاب الرئيس الفلسطيني تاريخياً، ويشكل خطة إنقاذ وطنية يتوافق حولها الجميع من أجل مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، إلا أنه كعادته ربط برنامجه المألوف-  الذي للأسف لم يتزحزح عنه وأكد عليه – بخطابه العاطفي الذي لا يحمل جديداً، كانت لغته لغة الضحية والضعيف والهزيل ويظهرنا كأننا نتسول حقوقنا المشروعة أمام هيئة الأمم.
دعونا في البداية نتحدث عن الظروف التي مهدت لخطاب الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة، وإعلانه دون سابق إنذار ودون إقرار من اللجنة التنفيذية، أنه بصدد الذهاب لهيئة الأمم لمطالبة بإعلان الدولة، وسمى مشروعه باسم " استحقاق أيلول".
 أبو مازن في قرارة نفسه اعترف بأن برنامجه القائم أساسه على التسوية والمفاوضات الثنائية وصل إلى طريق مسدود، في ظل اعتداءات إسرائيلية متواصلة هددت أركان سلطته الضعيفة أصلاً، وفي ظل ثورات كبيرة في العالم العربي غيرت من طبيعة المواقف، ومن هنا بدأ يفكر في طريقة لتحريك برنامجه المتوقف والفاشل عن طريق المبادرة بخطوة غامضة ومبهمة حتى الآن، رغم تضمين هذه النقطة في سياق عام في خطابه، إلا أن الجميع بمن فيهم قيادات في حركة فتح انتقدت هذه الخطوة ووصفتها بالمفاجئة، والتي كان ينبغي أن يعرضها الرئيس على المؤسسات الفلسطينية، ومن ثم لجماهير شعبنا حتى يكونوا على معرفة بهذه الأمور.


أقرت السلطة الفلسطينية سلسلة فعاليات خصوصاً في رام الله وخرجت الجماهير الفلسطينية في الضفة بالآلاف تأييداً لهذه الخطوة دون دراية كاملة بأهداف هذه الخطوة وبنتائجها، وبدت الأمور تبدو وكأن الرئيس الفلسطيني سيعود من الأمم المتحدة بدولة كاملة السيادة، حتى أن تلفزيون فلسطين على غير العادة بدأ يبث تغطية مفتوحة ومباشرة حول هذا الموضوع، وكأنه يحاول إقناع الجميع، من أن أغلبية الشعب الفلسطيني وراء هذه الخطوة، وقد صرفت نظرها عن آراء الأغلبية التي في معظمها وصفت خطوة الرئيس المفاجئة بأنها جاءت منفردة دون دراسة، وأكدت بعض الشخصيات أن ما يحدث هو جزء من عملية التسوية التي يجريها عباس كعادته، وانها تفريط بحقوق الشعب الفلسطيني كحق العودة، ويهدد مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وقد ذهب الكثير بعيداً ليأكدوا أن الرئيس عباس ذاهب لتصفية القضية الفلسطينية، ودعوا جماهير شعبنا إلى ضرورة الوصف الحقيقي لاستحقاق أيلول باعتباره خطوة لا تتقابل وتتفق إطلاقاً مع خطوة دعوة الأمم المتحدة لإنفاذ قرارات الشرعية الدولية عبر عقد مؤتمر دولي لتطبيق قرارات الشرعية الدولية المنصفة لشعبنا، حيث ربط الرئيس عباس خطابه وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بأنه على استعداد للعودة للمفاوضات لايجاد حل دائم للصراع، فضلاً عن رفضه نزع شرعية الاحتلال، وهو تناقض واضح مع قرارات الشرعية الدولية التي في إحداها تؤكد على إدانة الصهيونية، وبهذا وقع الرئيس عباس في خطأ كبير عندما رفض نزع هذه الشرعية والاستمرار في المفاوضات معه.


ليست تفاصيل خطوة السلطة للتوجه للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة هي محل الخلاف الوحيد، بل شرعية وثقة الشعب الفلسطيني بالقيادة الفلسطينية التي رسبت في عدة اختبارات امام المؤسسات الدولية كفضيحتها في ملف تقرير غولدستون الذي طلبت تأجيله أكثر من مرة رغم أنها كانت فرصة لإدانة صريحة للجرائم الصهيونية، كما أن سياسة السلطة وأجهزتها الأمنية في الضفة وفشلها في التصدي لعصابات المستوطنين وقوات الاحتلال، ومبادرة الجماهير الفلسطينية بإنشاء لجان شعبية لحماية أنفسهم من المستوطنين مثال على اهتزاز ثقة وشرعية هذه القيادة، بالإضافة إلى أن استمرار الانقسام الفلسطيني واستمرار سلطتين قمعيتين في الضفة وغزة يؤكد فشل هذا المسار.


في موازاة ذلك رصدنا احتفالات ومهرجانات تبايع الرئيس وتباركه على هذه الخطوة المجيدة، حتى رأينا  إظهار اسم فرقة العاشقين بارزاً لتلميع الرئيس ومبايعته من خلال أغنية ملكية تمدح الرئيس وخطوته، والأمر الغريب أن هذه الخطوة قد سببت في نشوء معجزة خارقة وظاهرة الأشياء الطائرة لدى السلطة، كالطائرات الورقية التي تطير، وكرسي الأمم المتحدة رقم 194 الذي يطير فوق المدن والدولة من أجل هذه الدولة الموعودة.
ومن بركات الدولة أيضاً تعرفنا على دول موجودة على الخريطة العالمية، اعترفتا بالدولة الفلسطينية العتيدة هما ( انتيغوا وبربودا) !!!! ،  بالإضافة إلى دخول السلفيين على أجواء الخطاب التاريخي وخاطب أحد شيوخهم الرئيس قائلاً ( لقد صدقت فأسمعت وبينت فحججت وإننا بالله ثم بك لمنصورون( وكأن الرئيس قد حرر فلسطين وأراح شعبنا من الاحتلال!!!، وتصريحات لشخصيات مستقلة تصف خطاب الرئيس بأنه أعاد حركة التاريخ لفلسطين ( في مفاصل أساسية من تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة لم يتجرأ أحد أن يصف هذه المفاصل بأنها غيرت حركة التاريخ).
الأمر الأكثر غرابة والضحك هو وصف أحد قيادات حركة فتح معارضة " استحقاق أيلول" بأنه رجس من عمل الشيطان، في حين علق شاب فتحاوي على أسباب سقوط أمطار مفاجئة على الضفة بأنها مباركة من السماء لخطوة الرئيس في الأمم المتحدة!!!


حدث الخطاب وللأمانة كان خطابه معبراً في بداياته ينقصه اتخاذ الرئيس جملة من القرارات المصيرية التي تعيد بوصلته التي انحرفت منذ المفاوضات السرية مع الاحتلال في مطلع السبعينات والذي كان هو عرابها الأول.


العودة للمفاوضات الثنائية بالرعاية الأمريكية أو أي رعاية أخرى كالرباعية – وهو المتوقع – من شأنه أن يسقط مشروع الرجل، ويعيده إلى طاولة المفاوضات من جديد، وبذلك يكون استحقاق أيلول زواج عرفي سينتهي برغبة أحد أطرافه الرئيسية الانفصال، عندها نتمنى ألا يبرر الذين استقبلوا الرئيس بعد عودته من الأمم المتحدة استقبال الأبطال، رجوع الرئيس بعد فترة قريبة من الزمن إلى المفاوضات وبالشروط الإسرائيلية أن هذا لا يتعدى كونه حجب وطلاسم تحتاج لمن يفك سحرها.