الجمعة، 24 أغسطس 2012

إلى أين تأخذنا أمواج السلطة الرابعة الفاسدة!!!




أيمن أنور

إذا كانت الصحافة ( السلطة الرابعة) تلعب دوراً مؤثراً ومحورياً في توجيه الرأي العام، وكشف الحقيقة، وإثارة القضايا المجتمعية التي يعاني منها الناس، وإضفاء رقابة دائمة على السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، فإن معظمها في فلسطين يلعب دوراً هداماً رئيسياً في التطبيع مع الاحتلال والاندماج في مشروعه الاحتلالي الكولونيالي، وخلق حالة من التطويع، وإشاعة مناخ السلم الودي بينه وبين الشعب الفلسطيني، ونزع وجهه الشيطاني البغيض، وتجميله ليلبس قناع الملائكة.
حالة من الذهول والغضب انتشرت بين جموع أبناء شعبنا الفلسطيني والأصدقاء المتضامنين معه، جراء ما عرضته وسائل إعلام محلية فلسطينية، وعربية، ودولية واستغلته وسائل إعلام العدو، حول " اجتياح الفلسطينيين لشواطئ تل أبيب، ويافا""، وهو الذي أثار موجة حادة من النقاشات والاختلافات في الرأي حول هذا الموضوع، ولكنهم اتفقوا على حقيقة هامة وهي أن جزء من الإعلام المحلي الفلسطيني خاصة الالكتروني والذي تقوده وكالة معاً ووكالات السلطة الفلسطينية الرسمية، تشكل ربحاً صافياً للاحتلال، ووسيلة لتمرير سياساته الخبيثة على أبناء شعبنا، وإظهاره بثوب العفاف والأخلاق النبيلة أمام العالم أجمع.

دعونا نحلل بالتفصيل نتائج هذا الخبر، الذي نشرته وكالة معاً كخبر حصري لها ومن ثم انتشر بقدرة قادر مفتعلة على جميع وسائل الاعلام، مدعوم بصور خاصة من مراسل معاً وغيرها كان على أرض الواقع هناك على شواطئ فلسطين المحتلة عام 1948، فضلاً عن تصريحات لوكالات أنباء دولية كالفرنسية طعمّت فيها هذا الخبر، وسممت أجواء المشهد الفلسطيني، حيث قامت وكالات أنباء محلية صفراء ورسمية فلسطينية بالتباهي بهذا الخبر، وإعطاءه قدراً رئيسياً من الأهمية، بل وتحويل ما يسمى " الاجتياح الفلسطيني بأنه تحرير من الاحتلال الصهيوني"!!.

عبّرت متضامنة أجنبية عن صدمتها من نشر هذا الخبر، وبهذه الصورة المبتذلة، وازدادت صدمتها من حجم التغطية الهائلة لوسائل الإعلام العالمية لهذا الخبر، والذي تصدر الصفحات الالكترونية الدولية، متقدماً على أخبار سوريا، والشرق الأوسط، وأجواء الحرب الباردة الخفية بين الأقطاب الرئيسية في العالم، مشيرة أن نشر هذا الخبر في هذا التوقيت بالذات، أضر بشكل كبير بالقضية الفلسطينية، وبنظرة العالم إلى شعبنا الفلسطيني جراء ما يتعرض له من عدوان سافر وهمجي مستمر من قبل الاحتلال الصهيوني، وبشكل طبيعي يعطي ملائكية للاحتلال من هذه الخطوة التي أقدم عليها، ويشكل ضربة لكل حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني في داخل وخارج فلسطين، والتي تنشط في توثيق ممارسات الاحتلال، وحشد العالم كله خلف الشعب الفلسطيني.

دعونا نتحدث بصراحة، عن الثالوث الإعلامي المتورط في هذه الفضيحة ( إعلام العدو، إعلام السلطة، إعلام وكالات محلية أبرزها وكالة معاً)، والذي مهد الطريق لهذا الخبر بنشر رسائل التهاني المتبادلة بين قيادات السلطة وقادة العدو ( عباس – موفاز) ( عريقات – بيرس)، وطلب الاحتلال صراحة من السلطة العودة للمفاوضات، وهو لم ترد عليه السلطة بشكل مباشر، مما يدل على أن هناك إجابة خلف الستارة، بالموافقة على عودة المفاوضات بعد العيد، بعد أن تتحقق بعض الأجواء الإيجابية بهذا الخصوص، وما طلب الإدارة الأمريكية من الكونجرس الإفراج عن مائتين مليون دولار أمريكي للسلطة يصب في هذا الاتجاه.

اختفت التغطيات الرئيسية والمركزة حول الممارسات الصهيونية لأبناء شعبنا في الضفة المحتلة على الحواجز وفي القرى والمدن لحظة العيد، واستبدلتها وكالة معاً بخبر رئيسي بعنوان "  الفلسطينيون "يجتاحون" شواطئ تل أبيب ويافا لأول مرة منذ 12 عاما"، وبعد ساعة أو ساعتين انتشر هذا الخبر بصورة مفاجئة على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ( العربية، فرانس 24، CNN، قناة الاحتلال الأولى، والعاشرة)، فضلاً عن وكالات دولية ( رويترز، الفرنسية)، والأخطر من ذلك أن معظم هذه الفضائيات ووسائل الإعلام ومن بينها وكالة معاً وصحافيين فلسطينيين أجروا عملية مقارنة بين الكرم الصهيوني المفاجئ بالسماح لفلسطينيين بالاصطياف على البحر، وبين إغلاق السلطات المصرية معبر رفح، وسماحها لسياح صهاينة بالدخول لسيناء!!!، مما يدل على أن هذا الموضوع سبب آخر لنشر الخبر وهو دق أسفين بيننا وبين أشقائنا المصريين، رغم موقفنا بأن إغلاق المصريين للمعبر هو قرار خاطئ.

لو أردنا على سبيل المثال أن نترجم الخبر الذي نشرته وكالة معاً للغات متنوعة ( الانجليزية، الفرنسية، الأسبانية)، ونعرضه على الشعوب الغربية كما هو، ستظهر نتيجة مؤلمة، وهي أن طبيعة الصراع الصهيوني الفلسطيني، ليس صراع استعماري واحتلالي أقدمت عليه الصهيونية بمؤامرة من الدول الغربية الكبرى، بل صراع بين طرفين فلسطيني و"إسرائيلي"، وأن إجراءات الاحتلال على الأرض ما هي إلا رد طبيعي على ما يسمى العنف الفلسطيني!!!.

أن يتم تشبيه الوجود الفلسطيني المفاجئ على شواطئ مدنه المحتلة "بالاجتياح"، وفي ظل استخدام مصطلحات " شاطئ عاصمة اسرائيل تل أبيب" و" المدن الإسرائيلية" بطريقة مقززة من قبل الوكالات العربية وخاصة معاً، فمن الطبيعي أن يتصور الغرب أن هذه الشواطئ هي جزء من دولة الاحتلال، وأن وجود الفلسطيني بهذا العدد الكبير فيه غير شرعي، ويشكل اجتياح لأراضٍ دولة شرعية وهي " إسرائيل"، كما وأن هذا الأمر ظهر واضحاً وجلياً في تفاصيل الخبر، التي تؤكد على عدم أحقية شعبنا الفلسطيني بأرضه وشواطئه مثل عبارة (منحتهم إسرائيل تصاريح زيارة)، وعبارات تعطي إيجابية وإشادة بالإجراءات الصهيونية مثل ( وعجت من كل الأعمار ونزلت النسوة إلى البحر) وعبارة ( التقاط الصور أمام معالم مدينة حيفا وفنادق تل أبيب الشاهقة) !!!، والإشادة بإنسانية المنقذين الصهاينة عندما يتضمن تقرير وكالة معاً (طلبهم من المصطفين الفلسطينيين الحذر، وعدم الاقتراب من مناطق معينة في الشاطئ)!!، وعبارات توحي بملائكية الأمن الصهيوني مثل  عبارة ( لم تظهر دوريات أو أفراد من الشرطة في المكان) !!، وتصريحات غريبة على لسان بعض المصطفين مثل (  سمحوا لنا بإحضار كل شئ الأكل والقهوة والمعجنات) !!!، وتصريحات مهادنة ومذلة خطيرة تشيد بالخطوة الصهيونية وتقول( ليتهم يسمحون لنا في المستقبل بأن نشم رائحة البحر) !!!.

وهكذا بعد أن تكتمل فصول المسرحية، يظهر الوحش القاتل في صورة المنقذ الأمير، الذي يريد أن ينفسّ عن الفلسطيني في الضفة، من الضغط النفسي والاقتصادي الذي يعاني منه!!، والجميع يعرف تماماً أن هذا الموضوع لم يكن ليحدث لولا تنسيق كامل بين أباطرة المال وتجار الموت في الضفة الفلسطينية، والذين ينتمون بمعظمهم إلى سلطة أوسلو، فهل تصدقوا كذبة أن السلطة تفاجئت بحجم العدد الكبير من موافقات الاحتلال على دخول الناس لشواطئ فلسطين المحتلة عام 48!!!، هل يمكن التنسيق لدخول 25 ألف فلسطيني في ليلة وضحاها!! أم ان هذا الموضوع استغرق شهور طويلة وبتنسيق كامل بين الارتباط الفلسطيني وسلطات الاحتلال؟!.

الأمر الآخر، لماذا تقاطع هذا الوجود المفاجئ على شواطئ مدننا المحتلة وجود مكثف لوسائل الإعلام العربية، والدولية والغربية!!.

إن القوى الوطنية والإسلامية باعتبارها المؤسسات الوطنية الشرعية في الضفة وغزة مطالبة بسرعة التحرك من أجل التحقيق في هذه المهزلة، وكشف خيوط الجريمة والمتورطين فيها من سلطة ورجال أعمال وشركات سياحة ووكالات أعلام سوقت له، ومن حقنا أن نعرف أيضاً نوعية الأشخاص الذين سمحت لهم قوات الاحتلال بالدخول للشواطئ!!.

القيادة يا ناصر اللحام ليست حائرة في منح دولة الاحتلال سكان الضفة التصاريح لدخول مدننا الفلسطينية المحتلة، بل حائرة من أن هذه الهوبرة الإعلامية، والتي تمت بالتنسيق مع الاحتلال و أيادٍ فلسطينية سلطوية خفية، أكلتها واستفادت دولة الاحتلال منها وحدها، مما عرى موقع السلطة وشرعيتها أمام الجميع، وهي خدعة دائمة من الاحتلال توقع بها قيادات سلطة الحكم الذاتي.
المخادعة الرهيبة من ناصر اللحام أنه يحاول تشبيه " الاجتياح السكاني لأهالي الضفة" لمدننا المحتلة عام 48، باجتياح أبناء قطاع غزة للحدود المصرية عام 2008. إن ما حدث على شواطئنا هو تطبيع يا ناصر لم يصنعه الفلسطينيون بأيديهم، وإنما تم استخدامهم كطرف من أجل تلميع الاحتلال، أما اجتياح أبناء القطاع للحدود المصرية، فقد اجتاحوه بغضب هادر لسنوات طويلة من الحصار والقتل، هدموا الجدران بأذرعهم وقبضاتهم وأظافرهم.
صحيح أن ما ذكرته يا ناصر حول اتساع الهوة بين الجيل الشاب، والسلطة، وأن هذا الجيل الذي صنع الإضراب، والكفاح المسلح، والانتفاضة، لديه وسائل إبداعية جديدة لمقاومة الاحتلال، ولكن لا يمكن أن نسمح منك ومن غيرك أن يحاول تمرير سياسة التطبيع والمهادنة عبر تبرير ما حدث على شواطئ مدننا بأنها محاولة إبداعية جديدة من شبابنا الفلسطيني مثل الانتفاضة والكفاح المسلح، اتركنا من حديثك المستملح، ومن فطنتك المكذوبة، ومن فهلويتك الشعاراتية. ما حدث على شواطئ مدننا المحتلة هو تطبيع أعمى تم توريط جزء من أبناء شعبنا الفلسطيني فيه، ويجب ألا يمر مرور الكرام، وينبغي على أبناء شعبنا جميعاً أن يقفوا هذه المرة أمام الإعلام المهادن والمسيس والذي يستهدف ثوابتنا وحقوقنا.

(انتهى)