الجمعة، 25 فبراير 2011

النضال الافتراضي ليس بديلاً عن الحركة الوطنية

أيمن أنور
تحاول السلطة الفلسطينية جاهدة إنقاذ ما تبقى من كيانها وسلطتها،عن طريق اجترار مواقف فاشلة هادفة لاستباق أي ارتدادات وانعكاسات على وضعها وحكمها الذاتي المحدود في الداخل الفلسطيني لزلزال التغيير العربي الذي أطاح بأعتى دكتاتوريات المنطقة العربية والذي تتقاطع مواقفه تماماً مع مواقف السلطة الفلسطينية، وهو الرئيسي المصري محمد حسني مبارك، الذي أُجبر على التنحي بعد ثورة شعبية مصرية عارمة، ومن قبله أجبرت ثورة شعبية مماثلة في تونس على الإطاحة برمزٍ آخر من رموز التبعية والاستبداد والطغيان زين العابدين بن علي. كما وشهدت دول عربية أخرى احتجاجات وانتفاضات شعبية بوتائر مختلفة كليبيا والجزائر والبحرين والعراق، أكدت على أن عملية سقوط أحجار الديمانو تباعاً قد بدأت بالرئيسين التونسي والمصري، وستستمر بالسقوط وستأخذ في طريقها كل أنظمة التبعية والظلم والفساد والخذلان، وأثبتت التحليلات السياسية والوقائع العملية أن السلطة الفلسطينية لن تكون بمنأى عن عملية التغيير هذه لارتباطها الموضوعي والمنهجي بنظام كامب ديفيد، والتطبيع والتبعية.
" ثورة الكرامة" أول السقطات..
المأزق الجدي الذي تعيشه القيادة الفلسطينية المتنفذة والسلطة الفلسطينية حالياً – خاصة بعد تسريبات قناة الجزيرة لوثائق المفاوضات، والذي أثبت صحة ما توقعه السواد الأعظم الفلسطيني من تنازلات كبيرة تورطت فيها هذه القيادة في مفاوضات عبثية وراء الكواليس ، وضعها لأول مرة منذ إنشاءها في خطر يتهدد وجودها وكيانها واستمرارها، وجاءت التطورات العربية الأخيرة والانتفاضات الشعبية التي قادها الشباب وصغار السن، لتزيد من هذا الخطر، وتقضي على أي أمل في استقرار مسيرة التسوية والمفاوضات التي راهن عليها هؤلاء المنتفعون والفاسدون، وأصبحت المسافة تزيد بينهم وبين شعبهم رويداً رويداً، هم بفسادهم وخنوعهم في وادٍ وشعبنا بآلامه وصموده ومعاناته بوادٍ آخر، وجعلها تسقط في أول اختبار عملي بعد ثورتي تونس ومصر، باستباق الثورة عليها من الشباب الفلسطيني بالإعلان عن ثورة افتراضية لا معنى ولا رؤية ولا أهداف لها، ودعمتها بالخفاء وأوهمت عدد كبير من الشباب المخدوعين بأنها ثورة حقيقة وهبة جماهيرية شرعية شريفة وامتداد طبيعي للمجموعات الافتراضية في العالم العربي والتي انطلق منها الشباب لخوض انتفاضتهم ضد أنظمتهم، وقامت السلطة الفلسطينية، وأسمتها " ثورة الكرامة" وتدثرت أهدافها الخبيثة وراء شعار " الشعب يريد إنهاء الانقسام" وحددت رؤيتها من هذا الشعار بالثورة ضد الظلم والقمع الممارس من قبل حركة حماس، وضد كبت الحريات، والدكتاتورية والقمع والظلم في قطاع غزة، كما صرح به القيادي في حركة فتح توفيق الطيراوي.
من حيث المبدأ أنا لا أختلف مع أي جهة شبابية أهدافها نبيلة بإطلاق مبادرة ومجموعة باسم " ثورة الكرامة" تحدد أهدافها بإنهاء الانقسام، ومواجهة كبت الحريات والدكتاتورية والقمع والظلم في قطاع غزة، وأعترف أنه يُمارس فعلاً من قبل الأجهزة الأمنية في غزة، ولكن الأمانة تقتضي منا ألا ننظر في عين واحدة، ويحتم علينا أن يشمل شعارنا الضفة المحتلة، ومواجهة الممارسات المماثلة والقمعية التي يرتكبها أفراد الأجهزة الأمنية في الضفة ضد جماهير شعبنا، ولذلك فشلت هذه الدعوة الاحتجاجية الحزبية الفئوية في تأطير الجماهير والنزول للشارع.
فياض وتشكيلة الحكومة السقطة الثانية..
وسقطت السلطة الفلسطينية في اختبارها الثاني عندما احتج عدد من الشباب الفلسطيني على دعوته إياهم للمساعدة في اختيار وزراء جدد من خلال صفحته بموقع فيسبوك الاجتماعي، حيث برروا احتجاجهم أن فياض يحاول اجترار المواقف المبدئية واستباق ثورة افتراضية حقيقية على كيانه المسخ، عبر دعوتهم للمشاورة في حكومة غير شرعية، وواحدة من ثمرات الانقسام السامة كحكومة غزة أيضاً، وكأنه يقول لهم ابتعدوا بدعواتكم عن هذه الحكومة نحن الشرعية، والرسمية، ونقود الحداثة والديمقراطية، وأنا أقودكم لدولة عصرية عاصمتها مدينة الروابي، وباستطاعتكم توجيه سهام احتجاجكم نحو الطرف الآخر".
ج
ثورات الفيس بوك ما لها وما عليها ،،،
حاولت خلال الأيام الماضية مراقبة التطورات الراهنة على الصعيد الافتراضي، والخطوات المتسارعة التي تبناها مجموعة من الشباب الفلسطيني بمختلف انتماءاتهم – أعتبرها خطوات شرعية ومبررة ومنطقية، وأتمنى أن تتطور وتأخذ منحى تنفيذي والانطلاق نحو الرؤية والهدف الحقيقيين – وبعد متابعة حثيثة على مدار الساعة لمجريات المجموعات التي تشكّلت لفت نظري مجموعة من الملاحظات وقع فيها مؤسسيها، والتي تؤثر إلى حد كبير في وصولهم للتقدم خطوة كبيرة نحو هدفهم المنشود، فقد وقع المحظور وغابت الشعارات المركزية وراء شعارات ثانوية، وسيطرت الرؤى الشعاراتية الافتراضية، على الرؤى الواقعية العملية، وعجزهم عن صياغة أهداف تراتبية تبدأ بأهدافنا الإستراتيجية كشعب يخوض مرحلة تحرر وطني، وتنتهي بالأهداف العامة والحياتية والاجتماعية والاقتصادية، لم أجد مجموعة واحدة ابتعدت عن العاطفة قليلاً، وسجلت رؤية متكاملة واضحة ومتينة تلقى قبولاً من الجميع، ويلتف حولها الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وجدت شباباً انتابتهم حالة تحدي جميلة ليست غريبة على أبناء شعبنا، وإن عبروا عنها بعاطفة جياشة مزجت مواقفهم الخاصة والشخصية في حدثٍ معين تعرضوا له في مواقف يجب أن تكون موحدة ذات طابع وهدف واضحين تعكس القدرة على قراءة الواقع بشكل حقيقة وواعٍ بعيداً عن الاجتهادات الشخصية، وبالطبع هذا الرأي لا يقلل أبداً من مشاركات مميزة لبعض الشباب حددت رؤيتها وأهدافها ووصفت الواقع بطريقة واعية ومحترمة، يمكن البناء عليها في نجاح أي عمل موحد مطالب به خلال الأيام القادمة.
اتجاه هؤلاء الشباب بسرعة نحو تقليد أحداث تونس ومصر عبر إنشاء غرف افتراضية هدفها تحريك الحالة الفلسطينية الراكدة، أوقعهم بهفوة أخرى بالغة، وهي أنهم لم يحسنوا تقدير الأسباب الحقيقة للثورتين وكانوا مغيبين فعلاً عن تراتبية الأحداث التي كانت تعصف بالعالم العربي خاصة في تونس ومصر، والتي بدأت منذ سنوات ماضية وأنتجت تراكمات انفجرت فجأة وكانت شرارتها حدث معين هنا وهناك.
وقع شبابنا في خطأ قاتل، أنهم حددوا آليات عملهم كاملة وأفنوا جهدهم في العالم الافتراضي، وهم لم يلتقطوا بشكل كامل ما حدث في مصر وتونس لأنهم فعلياً بعيدين عن هذه الأحداث منذ سنوات، فمحاولات أنجزة هؤلاء الشباب واستيعابهم ضمن منظومة ليبرالية تقبل بالسلم الأهلي، ومواضيع حقوق الإنسان والمجتمع الفاضل، تبتعد رويداً رويداً عن قيمنا وثوابتنا الفلسطينية وموقفنا من الاحتلال، كانت سبباً في عدم التقاط هؤلاء الشباب أن الثورة والانتفاضات الشعبية المتتالية في العالم العربي لم تبدأ من العالم الافتراضي والفيس بوك والتويتر – وإن كانت وسائل مهمة ساعدت في هذه الثورات - بل بدأت من الشارع وبشكل تتابعي تراتبي متتالي ينتقل من حدث وردود على هذا الحدث، حتى نضجت فعلاً هذه التراكمات، وولّدت ثورة جماهيرية.
المدونات المصرية ومجموعات الثورة خير مثال
إذاً انتظرت الثورتين المصرية والتونسية سنوات عدة للنضوج، مثال على ذلك نجاح الشباب المصري في نقل معاناتهم وممارسات أجهزة الأمن المصرية للنظام السابق بحقهم إلى العالم الافتراضي، والتي لم تبدأ في الخامس والعشرين من يناير الماضي، بل منذ عام 2004، من خلال مدونات سجلت الواقع المصري المعاش، احتوت على كتابات، وتحقيقات، وصور، ومقاطع فيديو للجرائم والممارسات التي كانت ترتكبها الأجهزة الأمنية في أقسام الشرطة مثلاً.
هذه المدونات والتي نقلت ما يدور في الشارع المصري إلى العالم وحركت خطوات احتجاجية في الشارع نفسه، لم يتسم عملها بحروب الدردشة وتبادل الشعاراتية، بل في إثراء هذا التوثيق ونقل المعلومات، بخطوات الاحتجاج على الأرض، وقيادتهم حملات ومظاهرات ضد سياسة الحكومة المصرية، وضد توريث الحكم، والفساد والدعوة للإصلاح والتغيير، حتى أصبحت تلك المدونات مكتبة هائلة من صور المظاهرات والندوات والمحاضرات والتصريحات حول القضايا المصرية الشائكة، وهذا ما لم يقوم به شبابنا الفلسطيني، حيث تأخر في هذا المضمار، وقفز عنها إلى مرحلة الافتراضية دون خوض هذه التجارب التي توثق الممارسات للانتهاكات في الداخل الفلسطيني.
لو تابعنا حقاً ما جرى من نهضة شبابية مصرية في السنوات الأخيرة، لأيقنا أننا ما زلنا في بداية الطريق، وتأخرنا فعلاً، ولم ينزل شبابنا للميدان للاحتجاج على واقعهم المزري، بل استغلت بعض الأطراف طاقاتهم لإثارة البغض والكراهية على بعضهم البعض، أدى إلى امتزاجهم في ثقافة الانقسام ولعبوا دوراً سلبياً في هذه الحالة. كيف سنمضي قدماً في ثورة افتراضية، ونحن لم نستطع تقليد تجربة أشهر مدونة مصرية وعربية " الوعي العربي" والتي كان لها دوراً كبيراً وما زال في نقل صورة الواقع إلى العالم الافتراضي، واعتبرت المصدر الأهم لجميع وسائل الإعلام المصرية والمعارضة والدولية، يكفينا أن يكون صاحبها " وائل عباس" أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم حسب استطلاع أجرته صحيفة غربية، وتعزز هذا التأثير مجدداً خلال الثورة المصرية عندما نشر بشكل حصري تحقيقات مهمة وشهادات، مدعومة بتسجيلات فيديو وصور، عما جرى من مذابح في بعض السجون المصرية في الأيام الأولى للثورة، فضلاً عن أحداث مصادمات الإسكندرية، وتفاصيل قتل اللواء البطران، ووثائق بنكية تثبت فساد قيادات النظام السابق، أين نحن من ذلك هل نزلنا للشارع ووثقنا وممارسات الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة، فضلاً عن جرائم الاحتلال في الضفة ودعمناها بتحقيقات وشهادات ونشرناها من خلال مدونات وغرف خاصة، لماذا انطلقنا للعالم الافتراضي دون خبرة أو برامج توعوية للاستفادة من هذا العالم ؟ لماذا عززنا التقليد على حساب الإبداع، يكفي أن نذهب لمدونة الوعي المصري ولفقرتها الأولى لنجد صورة الإبداع في التأثير على العالم من جملة صغيرة نقشها وائل عباس في افتتاحية المدونة " هذه المدونة على مزاج صاحبها اللي مش بيشتغل عند حد"، كان يمكننا الاستفادة من هكذا إبداع في إدخالها في ثقافة الاحتجاج في داخلنا الفلسطيني، لأننا ندرك أننا شعب ملئ بالإبداع ولديه الكثير ليعطيه، إلا أننا حتى الآن لم ننجح في استثمار هذه الروح الإبداعية، سواء كانت بطريقة سياسية ساخرة أو كوميدية.
مقارنة مختصرة بين مجموعاتنا الافتراضية والمجموعات الافتراضية المصرية:
لو انتقلنا لمدونة مصرية شهيرة أخرى اسمها " منال وعلاء" لوجدنا أنها تضمنت تغطية يومية ومستمرة للأحداث، باللغتين العربية والانجليزية، لدرجة أنها تجاوزت الأحداث المصرية، وانتقلت للأحداث ذات الطابع القومي، مثلاً قضية الحصار على قطاع غزة ومعبر رفح، واستهجنت موقف النظام المصري من هذا الحصار، وتساءلت باللهجة المصرية " ليه حكومتنا بتلتزم بكل الاتفاءات مع كل الدول اللي عندها حدود معها وتضمن دخولهم بحرية، إلا في فلسطين، ليه في جدل شديد حول فتح معبر رفح، وليه الفتح يقتصر على ادخال معونات ولا استقبال مرضى "، هذه عبرة مكتسبة أوجهها لشبابنا الفلسطيني الذين لم يبادروا حتى هذه اللحظة وباللغات بإنشاء مدونة أو موقع عن مشكلة الحصار ومعبر رفح، وانشغلوا للأسف في اتهام بعضهما البعض في مسئوليته عن هذا الحصار.
وننتقل إلى غرفة " كلنا خالد سعيد " المشهورة على الفيس بوك، والتي اقتربت عضويتها من المليون، والتي أخذت اسمها من شاب مصري اسمه خالد سعيد قتل على أيدي أجهزة مبارك، نتيجة التعذيب، فقد افتتحت الغرفة بسؤال مهم جداً وباللهجة المصرية " احنا مين وعايزين إيه؟" ، وهذا ما لم نستطيع في مجموعاتنا الفلسطينية أن نوحده، فقد تضمنت هذه الغرفة كلمات بسيطة مختصرة " الصفحة دي لكل المصريين، بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو تعليمهم أو مستواهم الاجتماعي أو انتماءهم السياسي، اتجمعوا عشان عايزين بلدهم احسن وعشان خالد سعيد يرجع كرمز، وتهدف الصفحة للتعريف بقضايا وهموم المصريين خاصة اللي له علاقة بقضايا وحقوق شعبنا وهموم المصريين، واي انتهاكات لهذه الحقوق التي كفلها الدستور المصري ودي مش حيحصل إلا لما نتحد كلنا ونكون ايد واحدة وسنقيم لنا أكبر عدد من المصريين على الانترنت وخارجها من خلال النشاط اللي كنا نشارك به، الصفحة تفضح أي محاولة لتهديد أو ابتزاز أي مصري علشان يتنازل عن حقه والنزاع بين الأحزاب غير متاح"، أما مجموعاتنا الفلسطينية فلم تتحد على موقف واحد.
ونعرج إلى صفحة مشهورة أخرى لعبت دوراً كبيراً في الثورة المصرية الأخيرة، وكان لشبابها تأثيراً كبيراً فيها وهي " شباب 6 أبريل"، والتي افتتحت صفحتها بعبارة بسيطة كبيرة في معناها ومضمونها ( شباب بيحب مصر)، ( شباب اتفقوا واجتمعوا على حب الوطن والتضحية من أجله والرغبة في إصلاح الوطن).
ولهؤلاء الشباب الفضل في الدعوة لإضراب وعصيان مدني شامل في 6 أبريل / 2008 كان شعاره" إضراباً شاملاً بكل الوسائل والطرق" وليس في الفيس بوك وحده، بمشاركة بعض الأحزاب السياسية، والتي كانت باكورة الاحتجاجات التي نظمت في شوارع القاهرة. ورغم سخونة الوضع وتعرضهم للاعتقال والملاحقة اليومية إلا أنهم لم يغيبوا عن الشارع واستمروا عبر مشاركاتهم في هذه الخطوات الاحتجاجية، ووثقوا كل الممارسات خلالها ونشروها لتصل للعالم كله، وكما أنه بالتوازي مع هذه الاحتجاجات كان هناك احتجاجات فرعية وجزئية من إضراب عمال المحلة والسكك الحديدية..إلخ، ( مع أهمية ملاحظة أن العدد والمشاركة في هذه الاحتجاجات منذ بدايتها وحتى الثورة الشعبية شارك بها 85 مليون مصري، وأن سحب هذه الأعداد على مواقع فلسطينية أو تونسية سيكون ظلماً لهم).
في مقابل نجاح الشباب المصري في الانتقال بخطى ثابتة من خلال التأثير عبر هذه المجموعات التي تحدثت عنها آنفاً، نجد من خلال متابعتنا لمشاركات شبابنا الفلسطيني عبر مجموعات معينة مثل " شباب خمسة حزيران"، و" 15 و21 آذار" ثغرة كبيرة وقع بها القائمين عليها، بالرغم من بعض المحاولات الفردية لتوحيد المواقف والوصول لفكرة واضحة وهدف منشود، إلا أنها لم تلق قبول الغالبية العظمى من مرتادي هذه المجموعات، ففضلاً عن تبعثر الأفكار وتشتتها، وخروجها عن طابعها الوحدودي والشعاري وهو إنهاء الانقسام وهو الشعار الذي توحدت به جميع المجموعات " رغم اعتراضي على هذا الشعار، لأن الانقسام ليس هو نهاية المشكلة ولا الحل السحري"، إلا أننا نجد في التعليقات خروجاً عن هذا الهدف، وتحول المشاركات إلى بنك معلومات خارجي، ونقاشات جانبية تأخذ منحى عصبي وحاد وفئوي، فكيف يمكن أن نمتلك وعياً فيما نريده وتعليقاتنا تتضمن مدحاً وتقديراً واحتراماً للأجهزة الأمنية في رام الله وغزة مثلاَ، أو في رفع صورة هذا القائد السلطوي العلاني وكأنه المهدي المنتظر وصاحب الابتسامة الوحدوية، القادرة على لم الشمل الفلسطيني !!!، أثار إعجابي فعلاً طرح بعض المشاركات لمطالب يمكن أن تتخذ طابع عملي على الأرض ويتوحد خلفها الجميع، وهي مطالبتهم ودعواتهم لإطلاق سراح نشطاء الانترنت والمعتقلين السياسيين في الضفة والقطاع، خطوة جيدة، كنت آمل أن تأخذ حيزاً كبيراً من المطالب، ولكن ليست على حساب مطالبنا الإستراتيجية.
ما العمل.. ؟ وكيف ننجح ونوحد هذه الجهود في ثورة افتراضية حقيقية؟
هذه الخطوات والجهود المبذولة خطوة جيدة إلى الأمام، ولكن يجب اغلاق جميع الثغرات التي تحدثت عنها سابقا، مع ضرورة تحديد الاستراتيجيات، وآليات العمل على الأرض، وضرورة إدراك جميع شبابنا أن التغيير الحقيقي لن يتحقق لا بالدعوات والمطالبات بل بالعمل الحقيقي وتقديم حلول حقيقية ومدروسة من أجل إيجاد بديل حقيقي يعيد تشكيل المؤسسة الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني، وينهي الانقسام، ونتفرغ من خلالها لمواجهة الاحتلال.
استراتيجيات وبنود أساسية يجب أن يتوحد الجميع خلفها ؟
التوضيح للجميع أن أي أهداف فرعية يسلط الضوء عليها، يجب ألا تغيب أهدافنا الوطنية الثابتة، وأن تتصدر جميع صفحاتنا الافتراضية، ودعواتنا ومطالبنا، لأن الاحتلال سبب البلاء، وأن العبث في المؤسسة الوطنية الفلسطينية، يجب أن يتوقف.
مقترحات لمطالب رئيسية يجب أن يتمسك فيها الشباب ضمن أهداف عامة يجب أن تتحقق بشكل فوري وهي ذات طابع تراتبي ثابت لا يمكن القفز على احداها وقبول أو رفض احداها:
1) إعلان القيادة الفلسطينية بشكل فوري وعاجل ولا نقاش فيه انتهاء مشروع التسوية، وإسقاط أوسلو نهائياً من المشهد الفلسطيني ( بناءً على نتائجها الوخيمة على شعبنا الفلسطيني) وبالتالي حل السلطة، وتتولى منظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة تشكيلها وبناءها المسئولية المباشرة في إدارة الحياة اليومية الفلسطينية في الداخل والخارج، عبر تفعيل الإدارة المحلية ( بلديات، لجان شعبية)، وتستعيد السيطرة على الصندوق القومي الفلسطيني، وتتولى إدارة الصراع مع الاحتلال، بشكل يحقق أهدافنا الوطنية حسب وثيقة الاستقلال والعودة لبنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تم الغاءها من قبل القيادة الفلسطينية المتنفذة.
2) إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني برمته، حسب وثائق الإجماع الوطني الفلسطيني، مثل وثيقة الوفاق الوطني، وإعلان القاهرة، وضرورة تنفيذ بنوده في إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية برؤية منهجية سليمة، قائمة على التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وتشكيل لجنة من كافة القوى والفصائل الفلسطينية المنضوية تحت منظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة لحركتي فتح وحماس، تتفق على تشكيل حكومة وطنية مؤقتة تتولاها شخصيات مستقلة مهمتها التمهيد لانتخابات شاملة (مجلس وطني، م.ت.ف، رئاسية، وتشريعية)، وتعطي للشعب بعد ذلك حرية اختياراته وتوجهاته المستقبلية.
3) التناقض الوحيد مع الاحتلال وحده، وأن فشل مشروع التسوية، يؤدي إلى التمسك بخياراتنا النضالية كاملة، بدءاً من الكفاح المسلحة، حتى المقاومة الشعبية، وهذا يتطلب توحيد الرؤية النضالية وتشكيل غرفة عمليات مشتركة.
4) استيعاب الشباب الفلسطيني في المشهد السياسي الفلسطيني، وأن يكون له دوراً في بناء مؤسسات الوطن، والتعبير عن رأيه في مختلف القضايا.
5) تفعيل صندوق خاص للعمال والفقراء والطلاب.
ولمن اتخذ " إنهاء الانقسام الفلسطيني" شعاراً كخطوة أولى له يجب عليه ان يطالب بالخطوات الثابتة والواضحة والتي تتضمن:
1) حل حكومتي حركة فتح وحماس بشكل فوري، بعد الاتفاق على تنفيذ تفاهمات اعلان القاهرة.
2) الاتفاق على آلية للصلح العائلي والعشائري ولكل المتضررين من الانقسام الفلسطيني، حتى لا تحدث عمليات ثأر عائلية وانتقامية لا تحمد عقباها.
3) مرجعية الأجهزة الأمنية يجب أن تكون خارجة عن إرادة الفصائل الفلسطينية، وتوجهاتها وطنية.
4) مغادرة كل من ثبت دوره في الانقسام الفلسطيني المشهد السياسي الفلسطيني.
5) إطلاق العنان للحريات الديمقراطية، وحرية الصحافة والاعلام، بعيداً عن الحزبية.
أساليب النضال المتاحة للشباب وللجماهير الفلسطينية لتنفيذ المطالب السابقة:
على جماهير شعبنا الفلسطيني أن يأخذ زمام المبادرة، معتمداً طرقاً وأساليباً مختلفة، تبدأ بكسر حاجز الخوف وبالاحتجاجات الجماهيرية، وممارسة الضغط ، والاضرابات الرمزية في مختلف المجالات، وانتهاءً بالعصيان المدني، وهو أحد الأساليب الرئيسية للمقاومة السلمية والذي كفلته القوانين الدولية، ومن هذه الوسائل:
فلسفة العالم الافتراضي، ( رسالة موجهة إلى جماعات الشباب الفلسطيني المنتشرة):
لكي تنجح رسالتنا، وتتعزز ثقافتنا ووحدتنا وثوابتنا خلال جهودنا ومشاركاتنا في مختلف الغرف التي تم انشاءها عبر العالم الافتراضي، من الضروري الإجابة عن أسئلة محددة، نعتمد عليها في تشكيل هذا الواقع؟ يساعدنا في تحديد أهدافنا، وهذه الأسئلة: ما هي الاستراتيجية( ما ذكرتها سابقاً مثلاً)، والأهداف الحقيقية والموضوعية، وما هو التغيير، وما هي فلسفة الغرفة الافتراضية وآلياتها وقوانينها، وأفكار المجموعة وأساس تحركها، والأهم من ذلك آليات عملها على الأرض من خلال إيصال فكرة معينة، وتحشد وتدعو الجميع للمشاركة فيها، والتي يمكن أن تتراكم فجأة وتؤدي في النهاية لبلورة الهدف المرجو منها، فالهدف هو أساس عمل أي مجموعة من هذه المجموعات، وهو المنطق بفلسفة عملها وطريقتها في التغيير والاستجابة لمطالبها، وخلق آليات وبدائل عمل للتعامل في حالات الطوارئ ( كاعتقال شباب من أعضائهم سواء على خلفية مشاركته في الأحداث على الأرض، أو من خلال نشاطه في العالم الافتراضي)، ومن ثم الاستفادة من هذه النشاطات، في القيام بضغط إعلامي واسع، يتم فيه توثيق ما تم جمعه من خلال هؤلاء الشباب على الغرف المنوعة ويكون لها دوراً وقدرة على التأثير.
ولإدارة سليمة لهذه الغرف يجب أن يتحدد خطوط عامة من بينها التزام العضو بقرارات الأغلبية، وألا تخرج مشاركاتهم عن الهدف الأساسي من تشكيل الغرفة، والابتعاد عن الاستقطاب الحزبي، والتخطيط الاستراتيجي الذي يتيح متابعة متعمقة لكل خطوة، من تقييم وتحليل لنقاط الضعف، ولا يمكن نسيان الشعارات الثابتة والجمل التي تثبت الوعي الفلسطيني، وسرد القصص والوثائق التي توثق كل شئ، كأن نستخلص ابداعات شعبنا ونستخدمها في صياغات مطالبنا، على سبيل المثال: " يمكن أن يتضمن تعريف الغرفة الأساسي بعد توحيد جهود الشباب جميعاً في غرفة واحدة، كلمات كتبها ناجي العلي عن حنضلة " نحن شباب توحدنا جميعاً كحنضلة، وسنكون دائمين الحركة وفاعلين ولنا دور حقيقي يناقش باللغة العربية والانجليزية، بل أكثر من ذلك فإننا كحنضلة سنوصل فكرتنا وأهدافنا ومطالبنا بالغناء والزجل وبالاحتجاج، وسنصرخ في كل أذن ونهمس ونبشر بالثورة"ـ، ويمكن أن نبدأ مطالبنا بعبارة أخرى نستخلصها من مقولة مشهورة لناجي العلي أيضاً " كانت هناك أشياء كثيرة تدعو لليأس، في تلك اللحظة كان هناك لون رمادي يحيط بالأفق لكننا كشباب شعرنا بتحفز داخلي غريب، إن حواسنا تصبح أكثر وضوحاً، أن نشير إلى نافذة مفتوحة في الأفق يبدد منها خيط من النور وأن نعري أولئك الذين لا يكفون عن الضجيج بأن الظلمة تشمل كل شئ وأن التسول هو لغة استرجاع الحق".
وأيضاً هناك عبارات لغسان كنفاني كثيرة كـ " لك شئ في هذا العالم فقم"، كما أننا لا يمكن أن ننسى أن أحد أسباب إلهاب حماس الجماهير المصرية والتونسية في الساحات العامة، استخدامهم لأغاني ملتزمة كالشيخ إمام، وسميح شقير ومرسيل، يمكن الاعتماد عليها، كما ويمكننا أن ننشئ عنواناً واضحاً وموحداً لتبادل الأفكار والابتداعات، كالدعوة مثلاً ليوم تضامني مع الأسرى بإقامة خيمة في ساحة عامة مثلاً.
خطوات فلسطينية جادة تستحق المتابعة والمشاركة:
ما تلمستّه هو أنني فعلاً وجدت مبادرات فلسطينية حقيقية ونافذة البصيرة والرؤية والأهداف وتعبر عن ثوابتنا وأهدافنا الوطنية، على سبيل المثال حملة أسسها نشطاء ومناضلين فلسطينيين من الداخل والشتات والجاليات الفلسطينية، باسم " حملة التمثيل الوطني الفلسطيني، انتقدت التهميش داخل منظمة التحرير الفلسطينية، والسيطرة عليها من قبل قيادة متنفذة، والفساد فيها وتعطيل مؤسساتها، وبسلوكها الاقصائي ونهجها السياسي، وأكدت على هدفها الرئيسي والعام، أنه لا تمثيل وطني فلسطيني إلا بمجلس وطني منتخب من قبل شعبنا الفلسطيني في الشتات والأراضي المحتلة عام 1948، و1967 وفي مختلف دول العالم، على الأسس ومواد الميثاق الوطني القديمة التي أجمع عليها الإجماع، وتم حذفها من قبل القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، بالإضافة إلى اعتبارهم عنوانهم الوحيد التمسك بالثوابت غير القابلة للتصرف وأنه الضامن الحقيقي لوحدة وطنية تنهي حالة الانقسام، وبالتالي ضمانة مواصلة طريق تحرير فلسطين من براثن الاحتلال.
اللافت في هذه الحملة أنها لاقت صداً واسعاً واتبعت أسلوباً عملياً بتجاوب مختلف الشخصيات الوطنية، معها خاصة الجاليات الفلسطينية في مناطق الشتات، والتي ستنظم في الأيام القادمة اعتصامات أمام ممثليات وسفارات م.ت.ف حول العالم مثل نيويورك وواشنطن، مطالبة بانتخاب مجلس وطني فلسطيني على أسس وطنية، فضلاَ عن أنها ستشارك في جميع فعاليات وأنشطة للتنديد بالاحتلال.
خلاصة:
ما استعرضته سابقا، يدخل في باب ( رصد الظاهرة الاجتماعية مبكرا جدا ً) وهي محاولة مني لطرح أسئلة وتقديم ملاحظات في باب النقد الهادف، نستطيع من خلالها الاستفادة من تجارب سابقة، وتوحيد رؤيتنا وأفكارنا وأهدافنا وثوابتنا، نستعيد من خلالها شعار" كامل التراب الوطني" مثلاً والتوضيح للجميع بفكرة غابت أو تم نسيانها تحت شعارات فضفاضة وهي مقاومة الاحتلال وأنه المسئول أولاً وأخيراً عما يحصل لنا، وعلينا أن نسقط الخرافة من عقولنا، ونستحدث العقل والوعي، وروح الفكرة في مختلف التطورات والأحداث، فلا نريد بعد اليوم أن يستحقر أحد عقولنا أو أن يضحك علينا باسم حكومة شرعية، هنا وهناك، أو ينظم تظاهرات شكلية تندد بالفيتو الأمريكي، وتتبنى مبدأ إنهاء الانقسام كوسيلة لإنقاذ نفسها من مأزقها، فالشرعية للشعب، وعماد هذا الشعب هم الشباب، الذين بحاجة لأخذ دورهم ويتلمس أحد معاناتهم كجزء أصيل من شعبنا الفلسطيني، وذلك من أجل توحيد كل الجهود في مواجهة الاحتلال، حتى نيل حقوقنا المشروعة في الحرية والاستقلال والعودة والدولة، فالهدف هو نقل ثورتنا وتجربتنا النضالية على مساحة الوطن وفي مخيمات اللجوء، وليس سحبها عبر افتراضات لا تعتبر إلا وسائل فقط.