الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

وأمريكا إذ تشهد فصلاً هوليودياً حزيناً



أيمن أنور
لا أخفي إعجابي بالسينما الأمريكية أو هو نوع محدد من الأفلام التاريخية، والعصابات، والخيالية لا الرومانسية التي تتميز السينما الفرنسية عنها، وأعترف أن إقبالي على مشاهدة الأفلام الأمريكية عادة سلبية وإدمان مؤسف لم أستطع معالجة نفسي من تبعاته باستخدام جميع مضادات العدوى، أو مهدءات الحقد على الغطرسة الأمريكية والامبريالية العالمية. ذالك أن السبب الأهم في هذا الشغف بهوليود أننا دائماً نشهد في مقطع الفيلم الأخير فصلاً مأساوياً ومؤلماً لأمريكا، تارة على هيئة تدمير أمريكا، أو احتلالها وتعرضها للغزو الفضائي، أو إعلان إفلاسها، أو مقتل رئيسها، أو  انتشار العدوى والأمراض والوحوش فيها، أو غرقها ...إلخ.
فلم تترك هوليود أمريكا ظاهرة أو أسطورة أو خيال إلا واستغلته، وأبرزها مشهد معمل الأبحاث الهادئ الموجود في بقعة بعيدة عن الكثافة السكانية، وينشغل داخله عالم أمريكي يمتلك نصف عقل ونظارة سميكة، تراوده فكرة صناعة سلاح بيولوجي فتاك، مستخدماً حيوانات صغيرة في صنع هذا السلاح، وإذ فجأة ينتشر الدخان، وينقلب السحر على الساحر، ونتيجة خطأ ما في معادلة كيمائية، يتم إنتاج وحش حقيقي قاتل، مخيف وبشع الوجه. ولا يمكننا بالطبع تخيل مجرى الأحداث المرعب في هذا الفيلم، وتفاصيله وفذلكته التي يندمج المشاهد فيها حتى يتصور أنه يتعرض لعضةٍ ما أو مطاردة الوحش له في شوارع وطرقات نيويورك أو غابات كاليفورنيا... ولو تابعنا تاريخ الأفلام الأمريكية سنجد عشرات الأفلام التي تتشابه تفاصيلها بذلك الوحش الذي يقترب رويداً رويداً ليزكم أنف أمريكا بالتراب ويدمر أجزاء من الأبراج العالية، ويجعلها ترسل أفضل مقاتليها ومخابراتها وجميلاتها لقتل هذا الوحش، وأشهر هذه الأفلام هو فيلم " Man's Best Friend" والذي أنُتج عام 1993، بطولة " ally sheedy"، والذي يدور حول شركة أبحاث طبية يديرها عالم مجنون يقوم بتحويل كلب رودفايلر إلى كائن فائق القدرات، يستطيع التخفي مثل الحرباء، يركض بسرعة الشيتا، له قوة الأسد، يتسلق الشجر كالقرود، مخالبه ذات جراب كالقطط..

وها هي أمريكا تحصد ثمار أفلامها التي تخوضها على الطبيعة، وتضحك بها على العالم، خاصة على شعوبنا العربية، وتتذوق في نهايتها ميتة مؤلمة ومأساوية للبطل الأمريكي، الذي يحارب كل العالم من أجل الدفاع عن مبررات استعمار وسيطرة أمريكا على العالم!!!، فها هو البطل رامبو وفان دام وسوبرمان يموت موتة حقيرة من سلاح أو لعبة أمريكية.

 

رأينا ذلك في فيلم الحادي عشر من أيلول، وتدمير البرجين في مشهد هوليودي هز العالم والذي سقط ضحيته الآلاف من المواطنين الأمريكيين، ودشن هذا الحادث معاودة أفلام الحرية الأمريكية باستهداف الشرق الأوسط وقتلت مئات الآلاف من أجل نشر الديمقراطية الأمريكية!!.

أمريكا إذن تصنع عرائسها، وأبطالها، كتميمة تجارية خاصة بها، كوالت ديزني، وميكي ماوس، وبن لادن من أجل تثبيت عقدة سامة وذنب بداخلها، وهي الحفاظ على التعاليم الأمريكية القاتلة والمجرمة وبسطها على العالم.

فلا غرابة أن تصنع أمريكا دمى القاعدة وطالبان، وتحركهم كما تشاء في مسرح أفغانستان، من أجل القتال ضد ألد أعداءها الروس، ولا مشكلة لها إن نقلت خيوط هذه الدمى إلى مسرح آخر، ولكن داخل نيويورك وواشنطن نفسها لقتل آلاف الأمريكان، حتى تبدأ الحرب البروستانتية – التلمودية الأمريكية المقدسة، ضد العراق المسكين.

ومن أجل خلق انقسام عربي وسايكس بيكو جديد تنقل العرائس للمنطقة العربية، من أجل أن تخوض حروباً باسم الدين الإسلامي، مستخدمة اذرع الأخوان، والسلفيين، والقاعدة، لنشر مبادئ الظلام والفكر الوهابي، والتخلف، حتى تبسط أمريكا يدها على كنوز الشرق.

وإذ أمريكا كعادتها لا تتعلم من التاريخ، ومن دروس أفلامها الهوليودية، فتقع دائماً فريسة لفأر تجاربها وحيوانها الذي أطلقته لتنفيذ أهدافها، فها هي تصحو مصدومة على قيام مجموعة من الدمى التي صنعتها، بقتل سفيرها في بني غازي، التي كانوا يوعدون شعبها بحياة ألف ليلة وليلة، والتي اصبحت بقدرة أمريكا وألعابها حياة ألف نيلة ونيلة... وهم نفس الدمى الذين يقتلون الشعب السوري.

أمريكا لا تريد أن تستخلص الدروس والعبر، ومصرة دائماً أن تذوق مشهداً مأساوياً مؤلماً ومميتاً في خططها الاستعمارية، جربته في فيتنام، والصومال، وأفغانستان، والعراق ولبنان من المقاومة الشريفة هناك، وبلعته رغماً عنها من العصابات والدمى التي اخترعتها، وهذا الصراع بالتأكيد يعتبر بشكل طبيعي الحد الفاصل بين سوريا الحضارة والتاريخ، وسوريا الظلام والتخلف التي تسعى ويسعى أمراء القتل والرجعية لإيقاعها بها.

وهي في النهاية، ستعيش قريباً فيلماً يشهد اندثارها كقوة قطب رئيسية في العالم، وسيتهاوى حلفائها وأتباعها وسنييها في المنطقة واحدا تلو الواحد، والمفاجأة هنا أن هوليود هذه المرة ستقف متفرجة، ولن تقوم بإخراج هذا الفيلم، لأن الفيلم سيكون حقيقياً، ومأساوياً لأمريكا، وحادثة مقتل السفير الأمريكي في بني غازي ستتكرر كثيراً، ولكن لن تكون بأيدي الدمى والعرائس وانقلاب السحر على الساحر، بل بأيدي الشعوب العربية التي ستدرك المؤامرة وستصل للحقيقة.

 


الخميس، 6 سبتمبر 2012

صحيفة "الرسالة" وخطابها الإعلامي المتهالك



أيمن أنور

لم تفاجئنا صحيفة الرسالة النصف أسبوعية التابعة لحزب الخلاص الوطني الإسلامي في عددها الصادر الخميس، والتي كعادتها عرضت مسرحية هزلية مملة حملته بين ثنايا صفحاتها من تهجم رخيص ومبتذل، استهدفت من خلاله التطاول على اليسار الفلسطيني ودرة تاجه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في اسطوانة متكررة رغبة منها في الاصطياد بالمياه العكرة، من أجل رغبة دفينة في تشويه المعارضين لسياسة حركة حماس أمام المواطنين، واستباق أي محاولة للجبهة قيادة الشارع للاحتجاج على سياسات حماس في الشارع.

وبطريقة صحفية ركيكة تصدّر خبر " اليسار وأزمة المشروع الوطني، صدر الصفحة الأولى للصحيفة، وفي الصفحة الثانية تقرير آخر بعنوان " حفاظاً على المصالح.. اليسار الفلسطيني.. قدم في السلطة وأخرى في المعارضة"، وتقرير ثالث في الصفحة ذاتها بعنوان " اليسار الفلسطيني.. جسد بلا روح"، وفي الصفحة الثالثة تقرير ثالث بعنوان " اليسار تلعب على حبال الانقسام" ، وتكتمل فصول المسرحية بتقرير بعنوان " قوى اليسار بعد الربيع العربي... إلى أين!".

لو طلبنا من صحافي قدير تحليل مضمون التقارير الأربعة التي رصتها الصحيفة رصاً وراء بعضها، لأعطى الصحافيين ومدراء التحرير الذين قاموا بإعداد هذه التقارير، صفر كبير. لأن  عالم الصحافة الحديث والقدرة على التأثير في الناس يشترط الابتعاد عن العناوين الرنانة والصفراء والمستفزة في التقارير العادية، فضلاً عن الرفض المطلق للتحريف في الأقوال.

ورغم أن عرض هذه التقارير بهذه الطريقة بالذات لا تستحق الرد في ظل سياسة التحريف وعدم المصداقية وتحويل بعض العبارات لبعض المحللين السياسيين والقيادات السياسية في هذه التقارير في غير مكانها، والتي امتزجت ببعض العيوب المعروفة لليسار الفلسطيني، ولذلك فإن إثارة هذا الموضوع جاءت رغبة للتساؤل عن مغزى توقيت نشر هذه المسرحية، وتوجيه رسائل عدة من أهمها إن كانت صحيفة الرسالة - التي أسستها قيادات حمائم من حركة حماس تطبيعاً مع ياسر عرفات وأوسلو سلطة رقابية مشروعة، تحاكم الناس، أم أنها آلة للدعاية الرخيصة الكاذبة؟!!.
تثير الصحيفة سلبيات اليسار وتفصلها عن إيجابياتها وتحاول شيطنتها، ولكن الخطأ الكبير الذي وقعت به هو جمعها قوى اليسار في سلة واحدة. ولو تابعنا آخر الأعداد التي تثير موضوع اليسار، سنجد أن الصحيفة تستهدف في توقيت معين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالذات تحت مسمى " أزمة اليسار"، فهي تريد استباق الأمور، وتشويه مواقف الجبهة التي تصاعدت ضد سياسات حركة حماس في غزة، وفتح في الضفة.
الشئ المضحك في الموضوع والمفجع في آن واحد هو أن الصحيفة استثمرت كل مراسليها وصحافييها من أجل إعداد تلك التقارير، واستفادت من تجربة بعض هؤلاء الصحافيين أثناء وجودهم كأعضاء في الجبهة للهجوم على اليسار، وهذه إيجابية تُحسب للجبهة، فهي الولاّدة دائماً، وهي الوحيدة القادرة على تقبل  النقد، وجلد الذات، والاستفادة من أخطائها التي لا تنكرها، وتثيرها في العلن.

لن أبتعد كثيراً عن جو النصوص الهزلية التي نشرتها الصحيفة، وسأتحدى جميع المحررين داخل الصحيفة، وعلى رأسهم المحرر المسئول " وسام عفيفة" في مضمون الموضوع بالسياسة البحتة، بعيداً عن الفذلكة والجهل بطبيعة اليسار والتي جاءت في الصحيفة، والتي توضحّت فيها الأمور بأن الصحيفة تشن هجوم على الجبهة الشعبية بالذات لتحركاتها الأخيرة في الساحة الفلسطينية.

لو أننا نواكب الحداثة وسرعة التغيرات المتلاحقة في المشهد العالمي، لكنا ابتعدنا عن إثارة موضوع " ضعف اليسار نتيجة انهيار المنظومة الاشتراكية والشيوعية"، رغم أن هذا سبباً رئيسياً في تراجع دور اليسار، خصوصاً في الساحة الفلسطينية، وهو سبب لا تنفيه قوى اليسار وعلى رأسها الجبهة الشعبية، ومن قرأ أدبياتها في المؤتمر السادس، وفي منشوراتها الثقافية والسياسة لأدرك أن الجبهة هي أكثر فصيل فهم حقيقة الواقع جيداً، وهي تعمل على علاجه من باب أن تجربة قوى اليسار واندماجها في الثورة الفلسطينية وفي حركة المقاومة العالمية، وفي نداءها من أجل توحد القوى على الصعيد العربي، هي عامل انطلاق اليسار من جديد وهي تحاول، معتمدة على أهمية استعادة البناء العضوي الذاتي للعضو الجبهاوي، واستثمارها في عودة الروح الجبهاوية واليسارية من جديد، والتي حاولت أوسلو التأثير عليها، ونعترف أنها حاولت محاصرة العضو الجبهاوي داخل بوتقة السلطة ومشروع أوسلو، ومحاصرته مادياً ومعنوياً، وهو بالتأكيد كان عامل تأثير سلبي تقاطعت مع حملة صهيونية مسعورة في بداية التسعينيات وحتى الآن لاستهداف العناصر المؤثرة في الجبهة الشعبية،  ولكن هذا التأثير ليس كبير على استمرار الجبهة بمواقفها المبدئية خاصة موقفها الرافض لأوسلو والمندد بسياسة السلطة السياسية والاقتصادية في العشرين سنة الماضية، ولكن اللافت وهو المهم أنه رغم انحسار دور اليسار الفلسطيني، إلا أنه ظل محافظاً على مواقفه بالحد الأدنى لم تستطع التغيرات في المنطقة أن تحرف مواقفه، وتبدّل جلده كما بدلها الإسلام السياسي.
لو كانت صحيفة الرسالة الناطقة من وراء الزاوية باسم حركة حماس حرفية ومهنية، لأثارت الموضوع المهم والأبرز والذي يهتم به الجميع وهو " هل جاءت مرحلة أزف مشروع الإسلام السياسي في المنطقة!!"، على اعتبار أن فرحة ما يسمى بالربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي في أكثر من بلد عربية ما هو إلا جزء من المشروع الأمريكي في المنطقة، ولذلك يجب ألا ينكر المنظرين الإسلاميين حقيقة أن الإسلام السياسي وعلى رأسه الأخوان المسلمين، هو أداة بيد الولايات المتحدة والرجعية العربية و"إسرائيل" من أجل خلق سايكس بيكو جديدة، وقتل أي محاولات للوحدة العربية. ومن هنا آمل من محرري صحيفة الرسالة من أكبر موظف لأصغر موظف أن يقرأ جيداً تجربة القاعدة وما يسمى المجاهدين في أفغانستان، ففي الوقت الذي كان شعبنا الفلسطيني يأمل بأن يجتاح المجاهدين العرب الأراضي الفلسطينية ويحرروها من دنس الصهاينة، كانوا ينفذون للأسف أجندة أمريكية في أفغانستان لمقارعة السوفيت هناك. ومن طلائع المجاهدين خُلقت القاعدة، والسلفية الجهادية، وأفكار الوهابية المجرمة، وهذا لا تثيره صحيفة الرسالة للأسف.

أليست هذه التجربة تستحق الاهتمام من حضرة سيادتكم؟!!، وهل هناك رجل عاقل عندكم لا يربط ما يجري في المنطقة بالمشروع الصهيوني الأمريكي الخليجي ؟. ولكن على العموم ما يُسمى مشروع النهضة الإسلامي قد بدأ يظهر رويداً رويداً، وقد اكتشفه منذ شهور الشعب التونسي، وهو ما زال يعاني من تبعاته إرهاباً وتخويفاً ونشر الفكر القاعدي.

ماذا نفهم عندما يتضمن هجومكم على اليسار تصريحات لمحلل سياسي خريج من جامعات بريطانيا يستخدم عبارات " عهر سياسي" في وصفه لمنافسيه، أليس هذا الفشل بعينه؟!! ودليل على ضعف الإنتاج الفكري لهذا المحلل، والذي يتبع أهوائه العاطفية على عقليته السياسية!!.

ضُج المشهد الحمساوي بخلافات شديدة ظهرت على السطح، وهي كانت سبباً رئيسياً في تغيير وزاري مفاجئ لحكومة هنية، وعلى حسب تصريحات لقيادات من حركة حماس تبين أن الموضوع له علاقة بملفات فساد لبعض الوزراء، وهنا لم نجد في صحيفة الرسالة العظيمة أي تحليل صادق وجرئ عن هذه الملفات. فالبيت الحمساوي محصن من النقد، ويمكن بساعة وضحاها أن تخرجوا فتوى بتحريم النقد داخل البيت الحمساوي، أما شن الأكاذيب على المنافسين لكم فهو حلال شرعاً!!!.

تعودنا على صحف حركة حماس، ومواقع الجزيرة وفضائيتها، أن تستخدم الدكتور المتحّول عبد الستار قاسم كأريكة دائمة، في موضوعات تنتقد فصائل اليسار، وهي عادة أصبحت مكشوفة ومملة من الدكتور قاسم الذي يتغنى في هذه  الآونة بمشروع موزة النهضوي، وأنا هنا أريد أن أوضح للدكتور قاسم في هذا الموضوع بالذات، من باب الجبهة الشعبية التي انتمي لها. هل تعرف يا دكتور قاسم أن الجبهة وشبابها وقيادتها تقود الهبة الشعبية ضد سلطة أوسلو في الضفة؟، وهي سبق أن قادت فعاليات التضامن مع إضراب الأسرى الأخير والذي مهد له رفاقنا الأسرى داخل سجون الاحتلال من خلال إضراب لم يشارك به أي فصيل وتُركت الجبهة تخوضه لوحدها؟!.

أنا متأكد يا دكتور عبد الستار أن تسريبات اجتماعات اللجنة التنفيذية تصلك باستمرار، وتعرف جيداً ما هو موقف الجبهة الشعبية من المشهد السياسي الراهن، وهي بدون مواربة تعبر عنه بقوة داخل هذه الاجتماعات، وهي تشكل الفصيل المناهض تماماً لسياسات عباس سواء المفاوضات، أو التنسيق الأمني، أو ممارسات أجهزته الأمنية. هل تابعت ما سربته وسائل الإعلام أخيراً بأن الرئيس أبو مازن غاضب جداً من تصريحات الجبهة الأخيرة والمنتقدة لسياسته، وتهديده للجبهة بأنه سيقوم بتنفيذ حملة اعتقالات بنفسه في صفوف أعضائها إن استمرت في محاولاتها في قيادة الهبة الشعبية على حواجز الاحتلال، والمستعمرات الصهيونية!! هناك أنباء قوية تشير إلى قطع الرئيس أبو مازن مخصصات الجبهة التي تحصل عليها من منظمة التحرير كاستحقاق نضالي شرعي لها. هل تشعر يا دكتور أن مواقف الجبهة يشوبها السلبية، أم مواقفك أنت؟!!. هل تتابع وسائل الإعلام الصهيونية، والتي أعربت عن خشيتها من تنامي نشاط الجبهة الشعبية العسكري، والذي عبرت عنه باعتقالها أكثر من أربع خلايا كانت تحاول اختطاف جنود ومستوطنين ومبادلتهم بأسرى، هل لديك معرفة عن حجم وطبيعة حملة الاعتقالات الممنهجة التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق كادرات وكوادر الجبهة!!. هل شاركت في مواجهات مباشرة مع الاحتلال في بيت لحم، ورأيت رفاق الجبهة الشعبية الأشبال في الدهيشة!!.

شئتم أم أبيتم فالجبهة الشعبية هي تاج اليسار، وهي تحاول استخلاص العبر من تجربتها، وهي الفصيل الوحيد الذي ينشر أخطاءه على الملأ، وإن كنتم تعتبرون أنفسكم ضحية من ضحايا أوسلو ، فإن الجبهة هي التي تعرضت لمؤامرات من سلطة أوسلو، واختطاف الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات دليل على ذلك، ولكن الاختلاف بيننا وبينكم أن سلاحنا سيظل موجهاً نحو الاحتلال فقط، هي ثابت أساسي من عقيدتنا التي لا تتزحزح أبداً، ولذلك عندما نجري لحظة تقييم للمواقف السياسية في هذه اللحظة، نجد حزب الجبهة الشعبية الفصيل الواضح الذي يعرف العدو قبل  الصديق طبيعة تحالفاته السياسية، وهو الذي حذر مراراً وتكراراً من الوقوع في شرك الرجعية العربية، والانغماس في حضنها. ولذلك عندما ننتصر لعقلنا ونحترمه ونجري لحظة تقييم لموقف حركة حماس في الآونة الأخيرة، سنجد أن الحركة تحولت بقدرة كرسي السلطة إلى جزء من الرجعية العربية، وداست على مشروعها المقاوم والاجتماعي، وأصبحنا لا نفرق الآن بين موقفها من الأحداث العربية، وبين موقف قطر مثلاً والتي تستلهم مواقفها من القواعد الأمريكية في منطقة الخليج.

فجأة عادت حماس إلى عباءة الأخوان، وتخلت عن جزء مهم من مرجعيتها السياسية " وهي الدور الأمريكي في خدمة المشروع الصهيوني، وأنه لهزيمة المشروع الصهيوني في المنطقة، ينبغي مواجهة الدور الأمريكي"، فجأة تحاول حماس إظهار نفسها بثوب معتدل وتقترب من أمريكا، وتنغمس في وحل مشروع التقسيم الجاري على قدم وساق في المنطقة، معتمدة على تقارب الأخوان المسلمين مع أمريكا لحظة تولي محمد مرسي الحكم.

لماذا لا تريد الرسالة أن تتطور وتنشر هكذا أمور وأحداث واقعة، على الأقل بدلاً من أن تشن هجوم على اليسار والجبهة الشعبية، كانت يجب أن تثير المخاوف للقاعدة الحمساوية، من أن لحظة أزف المشروع الإسلامي المقاوم في الأراضي الفلسطيني يقترب باستمرار التصاق سلطة حماس بالكرسي. يجب أن تتساءل المجلة عن أسباب تراجع التأييد الغربي من المتضامنين مع حركة حماس، أليس برنامجها السياسي الذي أخشى أن يقترب بسرعة من برنامج ياسر عبدربه!! قائم على ( هدنة طويلة الأمد.. علاقات مع أمريكا والغرب... وتقاسم دور السلطة)؟!.

من الآن ومن باب القارئ جيداً للمشهد الفلسطيني الحالي، على حركة حماس أن تسعى لإستعادة مشروعها المقاوم والاجتماعي والاقتصادي المعبر عن تطلعات الشارع، وليست حالات الاغتناء والسمسرة ولعب دور الواعظ. فإن كان نقدكم لأحزاب اليسار على دورها في السلطة، فماذا عن اصراركم على خوض غمار قيادتكم جزء من هذه السلطة المتهاوية طالما أنكم تتهمون اليسار بالانغماس بالسلطة!!.
في الختام، وبصفة الناصح الأمين الذي يتقبل النقد برحابة صدر، أدعو جميع الصحافيين في صحيفة الرسالة من أصغر صحفي لمدير التحرير، إلى الالتحاق في مدرسة الشهيد غسان كنفاني، حتى تتعلم فن التهذيب الصحفي، وطبيعة مخاطبة الآخرين، وصياغة التقارير الهادفة. ليس غرور منا ولكن لأن المعلومة الصحيحة ملك للشارع، يجب أن نسعى لها لا أن نحرفها من أجل طابع حزبي ضيق.








الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

الهبة الشعبية ضد الغلاء... إسقاط الرأس ومن ثم الذيل





مما لا شك فيه أن الهبة الشعبية التي انطلقت في الضفة الفلسطينية المحتلة، ضد الغلاء وسياسة الإمعان في فرض الضرائب والرسوم لها مدلولات إيجابية قد تتطور لاحقاً إلى انتفاضة شعبية عارمة ضد الواقع الاجتماعي والاقتصادي، الذي أدى إلى إفقار المواطنين ووقوعهم فريسة للاستغلال وللفساد المالي والاقتصادي الناجم عن اتفاقية باريس المذلة التي وقعتها السلطة بتاريخ عام 1994 و سياساتها الاقتصادية التي اتبعتها ارتباطاً بهذه الاتفاقية.


وحتى تكون شعاراتنا وأهدافنا واضحة من هذه الهبة الشعبية وتحقق الحد الأدنى من  مطالب الأغلبية المسحوقة من أبناء شعبنا، يجب ألا نقع في شرك رغبة حركة فتح الملحة في رحيل سلام فياض نتيجة خلافات خاصة بين فتح والحكومة الفلسطينية، نتيجة محاولات فياض المتكررة لتقليص نفوذ الحركة داخل الحكومة، ولذلك فإن توجيه الهبة الجماهيرية نحو " إسقاط الرأس " هو الحل الأمثل لهكذا هبة جماهيرية، لأن سلام فياض مجرد موظف صغير في البنك الدولي، وصغير في تراتبية السلطة المسئولة عن هكذا وضع اقتصادي.

منذ دخول سلطة الحكم الذاتي الهزيلة الأراضي الفلسطينية تحت مسمى " اتفاقية أوسلو المشئومة" وتوقيعها اتفاقية باريس المذلة عام 1994، والاقتصاد الفلسطيني يعاني من تبعات سيطرة وتحكم الاحتلال بالوضع الاقتصادي، ولذلك فإن شعار " رحيل سلام فياض" فقط كحل لأزمة الغلاء الراهنة حل ليس عملي، ويلبي مطالب حركة فتح أصلاً رغم أنها سبب المشكلة الأساسي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك فإن شعار إسقاط سلام فياض من حكومة رام الله ليس حلاً سحرياً طالما أن رحيله في حال استجابت السلطة لذلك، لن يغير شيئاً طالما استمرت السياسات الاقتصادية القائمة على اتفاقية باريس المذلة، وتحكم الاحتلال في الاقتصاد الفلسطيني، فضلاً  تحكم قطاعات فاسدة من السلطة، ورجال أعمال وكمبرادورات رأس المال في الوضع الاقتصادي الفلسطيني بمساعدة وتعاون الاحتلال.


إسقاط الرأس هو الشعار الرسمي الذي يجب أن يميز الحراك الشعبي ضد السياسات الاقتصادية الراهنة، وهو شعار يجب أن يحاسب السلطة الحالية وعلى رأسها رئيسها محمود عباس، وقبلها الحكومات والوزراء السابقين، على ما اقترفته من سياسات اقتصادية مشبوهة، وعلى رأسها تفاهمات بين قيادات في الأجهزة الأمنية مثل محمد دحلان مع الاحتلال على تسيير العلاقة الاقتصادية بين الفلسطينيين والاحتلال على مبدأ ضمان تدخل الاحتلال في العديد من القرارات الاقتصادية، وتحديد كمية ونوعية ومواصفات السلع المسموح استيرادها وحتى أماكن استيرادها!!.

دولة الاحتلال ومعها قيادات الأجهزة الأمنية الفلسطينية ورجال الأعمال المرتبطين بالسلطة سلبت من المستهلك المحلي الفلسطينية حقوقه وسرقت أموال التاجر الوطني ونافسته في أرباحه وفي رزقه، فزادت معدلات الجمارك بنسب ضخمة عن قيمتها الشرائية، مما تسبب في حدوث حالة ارتفاع دائمة في الاسعار، خاصة بعد التزام الجانب الفلسطيني في اتفاقية باريس بفرض ضريبة القيمة المضافة على السلع المستوردة بنسبة لا تقل عن النسبة المعمول بها عند الجانب الصهيوني، وهو الأمر الذي حرم الاقتصاد والمستهلك الفلسطيني من تخفيض أسعار السلع الضرورية، وبالتالي أثر على الصناعة الفلسطينية وإمكانية دعمها وتشجيعها.

حجم الاستثمارات الهائلة لقيادات السلطة مع الاحتلال التي تجريها في السر والعلن أدت إلى تفشي حالة الثراء لدى هذه القيادات، وظهور طبقة غنية مرتبطة عضوياً بالاحتلال وسياساته، وخلقت تعاوناً مباشراً وغير مباشر مع الاحتلال في التحكم بمصير وحياة الشعب الفلسطيني، فشركة باديكو القابضة واحدة من الشركات التي سرقت أموال الشعب الفلسطيني في وضح النهار وبعلم السلطة التي لديها استثمارات كبيرة في هذه الشركة، وهناك شركات أخرى مثل جوال والاتصالات لعبت دوراً هاماً في تفشي الفساد في الساحة الفلسطينية.

وبالعودة لأزمة المحروقات القديمة الجديدة والتي ترتبط دائماً بالازمة الداخلية للاحتلال، فإن السلطة الفلسطينية ملتزمة حتى الآن بما تضمنته اتفاقية باريس من إجبار الفلسطينيين على استيراد المحروقات للمستهلكين بأقل 15% عن السعر الرسمي داخل دولة الاحتلال وذلك نتيجة توجس الاحتلال من شراء المستهلكين الصهاينة شراء المحروقات من أراضي الحكم الذاتي. ولذلك نجد أن السلطة الفلسطينية تدعم اقتصاد دولة الاحتلال، وتقرر زيادة أسعار لتر المحروقات لمستوى قياسي للتغلب على ارتفاع الأسعار داخل دولة الاحتلال، وهذا بحد ذاته جريمة لا تغتفر.
إن إسقاط السلطة الفلسطينية، ورحيل رئيسها " محمود رضا عباس" وحكومتها، هو المطلب الشرعي والشعار الرئيسي  الذي يجب أن يميز الهبة الشعبية الحاصلة في الضفة الفلسطينية، ومن ثم يصبح مطلب رحيل الموظف الصغير سلام فياض واقعياً. فلا يجب التعاطي مع أي محاولات للرئيس عباس للتخفيف من وطأة الغضب الشعبي، يجب عليهم ألا يقبلوا أن يكون سلام فياض وحده كبش فداء لهذا الموضوع، بل رأس السلطة وقياداتها وسياساتها.