الخميس، 22 يناير 2015

سفارة "فلسطين" بجنوب أفريقيا نظرة من الداخل



أيمن أنور

كي لا أُتهم بشخصنة الموضوع وحتى لا يُفسر موقفي من سفارة "دولة فلسطين" بجنوب أفريقيا وسفيرها عبد الحفيظ نوفل بأنه ردة فعل، أو تجريح شخصي؛ كما لا يتعلق بموقف السفارة السئ بشأن زيارة المناضلة ليلى خالد لجنوب أفريقيا. بل من منطلق أن من حق أبناء الشعب الفلسطيني الاعتراض على سياسات وبرامج وممارسات سفارات وسفراء نعتقد أنهم يمثلون وينتحلون اسم دولة فلسطين. من هذا الجانب كله سأبدأ مقالتي في التذكير بمؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي عُقد في مدينة "ديربان" والذي استضافته جنوب أفريقيا عام 2001، والذي شكّل بداية انطلاقة هامة لحركة مقاطعة الاحتلال بفضل جهود المؤسسات والحركات التضامنية مع الشعب الفلسطيني أولاً ودولة جنوب أفريقيا ثانياً، وكانت الغائبة طبعاً السلطة الفلسطينية ممثلة بسفارتها عن هذا الإنجاز لانشغالها بتسويق فكرة السلام، وشعارات أوسلو وبإدانة "العمليات الانتحارية" التي تستهدف المدنيين في الكيان الصهيوني بعد اندلاع الانتفاضة الثانية.

منذ ذلك الوقت تأسست في جنوب أفريقيا حركة مناهضة للصهيونية وللعنصرية، مطالبة بعزل "إسرائيل" والقطيعة معها باعتبارها نظام يمارس الفصل العنصري، وهو ما سُمي آنذاك "إستراتيجية ديربان" في كيفية التعامل مع الاحتلال وجرائمه وممارساته بحق الفلسطينيين. ونعود للتأكيد بأن هذا الفضل يعود لجنوب أفريقيا وللحركات المناهضة للصهيونية. وقد تمكنت هذه الجهات من تحقيق الكثير من الإنجازات على هذا الصعيد خاصة في الدعوة للمقاطعة الأكاديمية للاحتلال والمستمرة حتى الآن، وعلى سبيل المثال وليس الحصر قطع جامعة جوهانسبرج علاقاتها مع جامعة "بن غوريون" الصهيونية، في الوقت الذي ما زال التنسيق الأمني للسلطة مع الاحتلال فعالاً ومستمراً على أكمل وجه.

كما بدأت جنوب أفريقيا بالإعلام المضاد لمنتجات المستوطنات، ومارست بالفعل سياسة القطيعة لهذه المنتجات في لقاءات رسمية، تزامناً مع استخدام وكلاء وزراء في اقتصاد السلطة وسفراء حاليين نفوذهم لتحويل أطنان من الأسمنت المصري كانت هدفها ترميم البيوت المهدمة في رفح وقطاع غزة لبناء الجدار العازل وفق صفقة سرية وهذا مثبت ولا يمكن إنكاره.

لم تستغل سفارة "دولة فلسطين" خصوصية جنوب أفريقيا والإنجاز الذي تحقق منذ عام 2001 ، ولم تبدأ فعلياً بالاندماج مع حركات المقاطعة إلا قبل سنوات معدودة وبسبب الإحراج من تنامي واتساع المقاطعة والحركات الناشطة فيها، أو بسبب محاولتها ركب الموجة لا أكثر، رغم احتضان السفارة قبل سنوات لقاءات تطبيعية في سفاراتها في بوتوريا، شكّلت طعنة في خاصرة حركة المقاطعة للاحتلال وأثارت موجة غضب هائلة آنذاك، واعترفت السفارة بذلك، وببرود شديد وصفت لقاء طلبة إسرائيليين بأنه ليس لقاءً تطبيعياً وإنما لقاء من أجل تعزيز فرص السلام ونبذ الحرب، والدليل على ذلك أن الطلبة لم يكونوا جنوداً في جيش الاحتلال حسب توضيح السفارة وسفيرها الراحل!!.

حتى أسبوع الابارتهايد الإسرائيلي يُنظم بشكل سنوي من قبل دولة جنوب أفريقيا ومؤسسات دولية وانضمت إليها مؤسسات فلسطينية ناشطة في حركة المقاطعة، وتكتفي السفارة الفلسطينية بالإعلان عن هذا الأسبوع والدعوة للمشاركة الواسعة فيه. وأتحدى أن تقوم تلك السفارة بنشر بيان صحافي مروس بشعار السفارة ووزارة الخارجية الفلسطينية يتضمن إجراءات جدية تتخطى التصريحات والزيارات وتبلور برنامج وخطة مناهضة للاحتلال في جنوب أفريقيا، على الرغم من أن السفير الحالي ووكيل وزارة الاقتصاد السابق سخر كل جهوده في الدفاع عن سياسة أبو مازن "الحكيمة" ومواقفه وبرنامجه وسقفه الهابط الذي لم يتجاوز سقف منزل حارس في مدينة روابي، وذلك من أجل مكاسب شخصية لا أكثر، والحفاظ على حالة استقرار سفارته دون أي منغصات. 

يجب ألا نظلم السفير الفلسطيني في جنوب أفريقيا بهذا المنصب والتعيين في دولة مهمة وحساسة بجنوب أفريقيا، لأن تقاليد تعيين أغلب السفراء لدى السلطة لا تتم من خلال الشفافية والكفاءة والتقييم الإيجابي بقدر قرب السفير من أجندة أبو مازن. ومن أجل ذلك يعي السفير أن استقراره في السفارة مرهون بأن يتكيف مع سياسة الرئيس، وينبري في الدفاع عن مواقفه والتطبيل لها، بالضبط مثلما يفعل الهباش في خطبه التحشيشية والمثيرة للجدل. رغم أن الحل في السفير يكمن في أن يطالب بتعيين نفسه ناطقاً رسمياً باسم الرئيس بدلاً من مسئوليته عن سفارة "دولة فلسطين" في جنوب أفريقيا.


نؤكد مرة أخرى بأننا عندما نتحدث عن جنوب أفريقيا، وبتجربتها النضالية الرائدة وتخلصها من نظام الفصل العنصري بفعل تضحيات شعبها الأصيل، يجب أن نقدم نحن نموذجاً يحّتذى فيه والاستفادة من هذه التجربة، ونقل تجربتها إلى الأراضي الفلسطينية بدلاً من أن ننقل تجربة أوسلو والبيزنس إلى داخل جنوب أفريقيا، لأننا بهذه الطريقة نعزل أنفسنا بجدار سميك من الفساد، واللامبالاة، والوطنية الزائفة، بدلاً من أن نسخر جهودنا لعزل دولة الكيان الصهيوني. ومن أجل ذلك يجب أن نفتح ملفات السفارات الفلسطينية على مصراعيها ليس لجهة التطبيع وحسب، مستندين لأهمية أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في سفير أو سفارة واحدة بل في نهج الفساد الشامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق