الجمعة، 21 نوفمبر 2014

عملية القدس بطولية يا حسن اللي مش بطل



أيمن أنور

دعونا نتوقف قليلاً حول كتاب " حلم رام الله .. رحلة في قلب السراب الفلسطيني" للكاتب الفرنسي "بانجمين بارت" أصدره العام الماضي، والذي اخترق خلاله عالم سلطة أوسلو الهش من الداخل، ونقل لنا حقيقة الأوضاع المأساوية في أراضي الضفة المحتلة على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حيث اعتبر في كتابه كيفية تحّول السلطة إلى مجرد إدارة للاحتلال تقاد من مستوطنة "بيت إيل"، متطرقاً إلى الفساد السياسي والصفقات التجارية والامتيازات التي يستفيد منها الكثيرون من الشخصيات السياسية والقيادية في المقاطعة وحولها خصوصاً رجال الأعمال والكتّاب والأكاديميين . تتركز هذه الشرائح في حي الطيرة الغني جداً حيث تربّحت من السلطة وأصبح لها امتيازات وعقارات وشركات عائلية، ولا تجدها أبداً بين الناس، بل في المؤتمرات وحفلات القنصليات، وفي مؤتمرات وورشات عمل السلطة أو جلسات التطبيع مع الاحتلال، وهمها الوحيد الدفاع المستميت عن برامج السلطة وسياساتها وفسادها، والمتاجرة بأوهام السلام، والهجوم على المقاومة.

طبيعي في هذا السياق، أن تحيط قيادة السلطة نفسها بدائرة من الكتّاب والمثقفين الفاسدين، تحافظ من خلالهم على الوضع القائم، وتقزم إدارة الصراع والمواجهة مع الاحتلال في خيارات السلطة العقيمة من مفاوضات واجتماعات أمنية وتنسيق أمني، وهي من أجل ذلك فتحت خزائن أموال الشعب الفلسطيني لهم لحثهم على الاستمرار ببث سمومهم وأكاذيبهم بين الناس، وزرعتهم في المناصب الحساسة، خاصة الصحف والمجلات ذات اللون والاتجاه السلطوي الواحد، أبرزهم الكاتب المعروف في جريدة الأيام حسن "البطل" الذي حمل لواء الدفاع عن نهج القيادة الفلسطينية المتنفذة المتفرد والإقصائي منذ كان في بيروت، وقبرص، وعدائه المعروف آنذاك لجبهة الرفض وخصوصاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وطبعاً، جهود حسن " البطل" الحثيثة على مدار سنوات طويلة في الدفاع عن أرث أوسلو المقيت وقياداته الفاسدة المتعاقبة حولتّه إلى أحد الأسلحة الهامة والأبواق الإعلامية التي تعتمد عليها قيادة السلطة وتسخرها في الهجوم على الفكر الثقافي المقاوم، فليس غريباً أن يواصل باستماتة وصف العمليات الاستشهادية بالعمليات الانتحارية واعتبارها جريمة من جرائم الحرب.
وقد جاءت مقالته الأخيرة التي نُشرت يوم الخميس الماضي في جريدة الأيام بعنوان " ولكنها ليست بطولية" في ذات السياق والمنهج الاستسلامي والانهزامي الذي يحاول تمريره دائماً عبر صحف السلطة، حيث وصف العملية البطولية التي نفذتها الجبهة الشعبية في القدس بالعملية الخطيرة التي لها تداعيات خطيرة!!، وتهدد بنقل الصراع بين شعبين إلى حرب بينهما!!، رافضاً إعلان الجبهة المسئولية عن هذه العملية، معتبراً أن ذلك سيكون له تداعيات خطيرة لأن الجبهة عضو بالمنظمة، وهي جبهة يسارية لا يُفترض على عناصرها حسب زعمه شن هجوم قاتل على كنيس!! ، وأن الجبهة بهذه العملية تصب الزيت على حرب دينية حذر من مخاطرها رئيس السلطة وعقلاء كثيرون في "إسرائيل"!!، واصفاً خلال مقالته القتل الفردي والجماعي سواء بمبادرة فردية أو فصائلية غير مشروع، وبالذات إذا ضرب على العصب الديني!!!، مختتماً مقالته بأن لا شئ يبرر حرق جامع، ولا شئ يبرر هجوماً قاتلاً على كنيس!!.

يوجه حسن " البطل" قلمه بعقلية الليبرالي الغربي الرافضة لكل مكتسباتنا وهويتنا الوطنية، ولا يجرؤ طبعاً أن يعطي لشخصيته الفرصة أن تخوض صراعاً مع ضميره، لأنه حسم  وجهته قديماً وليس جديداً بالانتماء إلى مدرسة أوسلو الفكرية المنفصمة روحاً ولغة وفكراً وهدفاً عن خيارات شعبنا في المقاومة والتحرير ومواجهة الاحتلال.    

جاءت مقالة "البطل" الأخيرة لتؤكد أن هناك حفنة قليلة معزولة تمارس فن الرقص على جراح شعبنا وعذاباته، وتحاول باستماتة بث سمومها الخطيرة وفكرها الانهزامي بين أوساط شعبنا، وهي على قلتها وعدم تأثيرها محصنة ومحمية تماماً من قيادة السلطة التي تشترك معها في الجريمة، وتحاول تبهيت صورة شعبنا النضالية أمام العالم، وتجريم الشباب الوطني المخلص وردوده المشروعة على هذا الاحتلال الكولنيالي العنصري.
ليس غريباً أن تتقاطع أفكار حسن "البطل" مع كتّاب صهاينة في التحذير من حرب دينية قادمة، طالما أن "البطل" ومجموعة من المثقفين من الدائرة القريبة المحيطة بمحمود عباس لا يمتلكون أي وعي وطني بطبيعة الصراع بيننا وبين الاحتلال الصهيوني لأنهم قد اشتروا أنفسهم وقلمهم بالمال والمناصب والنفوذ، ولذلك لن يحاولوا المس بمحرمات عملت سلطة أوسلو على تثبيتها وترسيخها في المجتمع الفلسطيني عبر إجراءات كي وعي ممنهجة ومركزة، نجحت إلى حدٍ ما في السيطرة على بعض العقول الضعيفة، لكنها تفاجئت الآن أن إرادة شعبنا الحقيقية انتفضت من سباتها وفكت سحر أوسلو المقيت، وها هي تعيد بوصلة الصراع الحقيقي إلى مسارها الصحيح في ضرباتها ومقاومتها القوية والساحقة للاحتلال الصهيوني في القدس، والضفة، وفي مناطق الـ48، لتلعن السلطة وبرامجها وقيادتها وأذنابها.

لقد أعادت العملية البطولية في القدس يا "بطل" الأمور إلى أصلها الحقيقي، وقضيتنا الوطنية إلى مكانتها الطبيعية، ولم تكن عملاً فردياً أو شيئاً عابراً ولم يكن هدفها الانقضاض على معهد أو كنيس ديني في داخله مصلين يهود، بل على وكر يجتمع فيه مجموعة من القتلة الصهاينة الذين ينطلقون من داخله لقتل أطفالنا ونسائنا في مدينة القدس، فأين كنت يا "بطل" عندما خرج هؤلاء القتلة انطلاقاً من هذه الأوكار واختطفوا الطفل المقدسي محمد أبو خضير وحرقوه حياً!! – طبعاً أنت لا تتمنى أن يكون ابنك في مكانه - ، أين كنت عندما شنق هؤلاء الشاب الرموني في جريمة جديدة أخرى!! أين كنت وجرائم هؤلاء القتلة تتواصل وتتواصل ضد شعبنا!!! .

إن اللعب أيضاً على وتر جمع عملياتنا البطولية والمشروعة في سلة واحدة مع العمليات الإرهابية لهؤلاء القتلة بحجة أن عملياتنا تشابه عملياتهم ولا تختلف في الهدف والتداعيات..إلخ، هي الوجه القذر للأقلام الصفراء المسمومة التي يستغلها الاحتلال في حربه ضد شعبنا الفلسطيني، ونذكّر البطل وجميع الكتاّب الانهزاميين أن المجتمع الصهيوني بتركيبته الحالية بيمينه ويساره ووسطه إرهابي وعسكري وليس مدني، ومن السذاجة والتفاهة أن تذرف الدموع على هؤلاء القتلة وتصوّب الأقلام كسهام في ظهر مقاومينا، فالمعركة مع هذا الاحتلال هي معركة وجود وهو كيان استئصالي عنصري كولنيالي وندرك جميعاً أن الانتصار على هذا الكيان لن يتم إلا برحيله وكنسه بالكامل عن أرضنا، هذا الموضوع ليس طوباوياً أو مستحيلاً، وإنما خاضع لإرادة وصلابة وصمود ووحدة شعبنا، وليس ببرنامج السلطة وقيادته التابعة.

إن كان الكاتب الهمام "البطل" تناسى أن عملية القدس البطولية استهدفت وكراً إرهابياً أقيم على أنقاض قرية دير ياسين المدمرة، والتي ارتكبت العصابات الصهيونية بحقها عام 1948 مجزرة رهيبة، فإن طاقات شابة مقدسية حرة أبية لم تنسَ هذه المجزرة، وفتحت الحساب المفتوح مع الاحتلال لتنتقم للأجداد ولتعيد خزان الذاكرة من جديد، وأصل الصراع إلى مكانه الطبيعي ، وأنه لا استقرار ولا حياة إلا برحيل هذا الكيان عن كل شبر من أرضنا.

لقد حملت العملية البطولية في القدس دلالات ومعاني كبيرة لن يشعر بتأثيرها وتداعياتها الإيجابية إلا الوطنيين الشرفاء الذين قدّموا ولا زالوا الغالي والنفيس من أجل استمرار شعلة المقاومة في وجه هذا الكيان الصهيوني الغاصب، ولم يضعوا أنفسهم يوماً حاجزاً أو مانعاً أو ناقداً أو مشوهاً للنضال الفلسطيني ولصورة شعبنا.

نأمل من "البطل" وأمثاله أن يعودوا إلى حضن شعبهم وخياراته، وأن يدرسوا أدب المقاومة حتى يمتلكوا الوعي الثقافي اللازم لوصف الحالة الفلسطينية بطبيعتها وثوابتها، وليس بوجهة نظر السلطة وبرامجها الخبيثة.   


( انتهى)   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق